الصوت التفضيلي .. حروب إلغاء ضمن البيت المسيحي الواحد… غسان ريفي

لم يكن ينقص الخلافات السياسية التي تعصف بالشارع المسيحي في لبنان سوى ″الصوت التفضيلي″ الذي سيُعتمد في الانتخابات النيابية المقبلة حتى يُقسم المقسّم ويُجزء المُجزأ، خصوصا أن المكونات المسيحية الرئيسية إنفضّت عن بعضها البعض، فلا عادت تجتمع مع بعضها تحت راية 14 آذار، ولا عادت تتحد في مواجهة قوى 8 آذار، وبات كل منها يغني علي ليلاه ويفتش عن مصالحه، أو في أحسن الأحوال عن تحالف موضعي في دائرة ما تفرضها المصالح الانتخابية فقط.

كل المعطيات تشير الى أن لا تحالفات مسيحية حقيقية في الانتخابات النيابية المقبلة، بل حروب إلغاء سياسية سترخي بثقلها على الشارع، وقد بوشر الاعداد لها، ما يؤكد أن أحدا لن يخرج سالما معافى من هذا الاستحقاق.

بعد “مشهدية معراب” التي أنتجت تحالفا بين ″التيار الوطني الحر″ و″القوات اللبنانية″ تحت شعار ″أوعا خيّك″ توافق الفريقان على إلغاء الآخرين بدءا من حزب ″الكتائب″ و″تيار المردة″ وصولا الى ما أسماه وزير الخارجية جبران باسيل بـ″الفراطة المسيحية″ التي يعني بها الأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة.

وبعدما إستجد الخلاف بين الحليفين المسيحيين بدأ كل منهما يعد العدة للاطاحة بالآخر، مستخدما كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، لتتصدع مجددا الساحة المسيحية التي يفتش كل من أركانها عن كيفية الحصول على ″الصوت التفضيلي″ بشتى الوسائل، والذي من المفترض  أيضا أن يشكل حربا بين الحلفاء أنفسهم ضمن التيار السياسي الواحد، أو ضمن اللائحة ذات اللون الواحد.

الكل في الساحة المسيحية يفتش اليوم عن مصالحه، وعن عدد النواب الذي سيجنيه من الاستحقاق الانتخابي الذي يتطلب “الصوت التفضيلي” فيه مواقف نارية سواء تجاه الشركاء في الوطن على غرار فيديو باسيل المسرب من بلدة محمرش البترونية، أو تجاه الشركاء في الطائفة، ما يؤكد تصاعد التوتر السياسي كلما إقترب يوم السادس من أيار.

لا يختلف إثنان على أن “التيار الوطني الحر” يشعر بفائض قوة، تجعله في غنى عن أية تحالفات جانبية، معتمدا على وهج السلطة والخدمات والتعيينات، والأجهزة الأمنية والقضائية التي تغري الناس وتجعلهم يستظلون رايته أو الاحتماء به، وهو بالتالي لا يتوانى عن إستخدام كل ما لديه من أسلحة للمواجهة والتأكيد من خلال الانتخابات أنه الأكثر تمثيلا في الساحة المسيحية، مع إمكانية لجوئه الى تحالفات موضعية في بعض الدوائر بهدف تأمين المزيد من المصالح ووفق شروط محددة.

وتسعى “القوات اللبنانية” الى رفع مكانتها في الساحة المسيحية، من خلال طرح نفسها مجددا بأنها حامية حمى “ثورة الأرز” وممثلتها الشرعية والوحيدة، ولعل حرص القوات على مصادرة ذكرى 14 آذار وتنظيم مهرجان سياسي وشعبي لها، يهدف الى إعادة إستمالة جمهور “الثورة” عشية الانتخابات وإستقطاب الناخبين المستقلين من المسيحيين، وإحراج “التيار الوطني الحر” الذي كان أحد الأركان الأساسية لذاك اليوم المشهود في العام 2005، لكن ما يُحرج القوات هو إستمرار مشاركتها في الحكومة وعدم فاعليتها أو قدرتها على تغيير السلوك السياسي المتبع على طاولة مجلس الوزراء في ظل التفاهم والتنسيق الكاملين بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”.

في غضون ذلك، يعمل “حزب الكتائب” على تكبير الحجر على “التيار” و”القوات”، من خلال طرح شعار “التغيير”، ووضع النقاط على الحروف وكشف اللثام عن كل الصفقات والسمسرات، ودغدغة مشاعر الشعب اللبناني الذي ملّ سلوك السلطة، وهو يدرك أنه سيواجه حربا مفتوحة، لكنه لا يسعى سوى الى الحفاظ على عدد نوابه الحاليين، بالرغم من إبتعاده عن القوات كونه لا يريد التحالف مع أي مكون من مكونات السلطة، أو مع أي من القيادات السياسية التقليدية.

أما “تيار المردة” فسيكون له تحالفاته الخاصة، وهو يشكل قلقا واضحا لـ”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” لا سيما في دائرة الشمال الثالثة (زغرتا والكورة وبشري والبترون) التي ستمهد الطريق للوصول الى قصر بعبدا، كونه يجمع كل المتضررين من التسلط المسيحي، الأمر الذي سيمنحه عطفا شعبيا لا سيما في ظل الحرب المفتوحة عليه من التيار الوطني الحر، فضلا عن محاولة “المردة” إحداث شغب في عقر دار القوتين المسيحيتين بهدف إرباكهما، والاعتماد على النسبية والصوت التفضيلي لتمرير حليف أو أكثر له، في وقت تجد فيه “حركة الاستقلال” نفسها مجبرة على التحالف مع “التيار الوطني الحر” لمواجهة “المردة” في زغرتا.

في حين سيفتش حزب “الكتلة الوطنية” وحزب “الاحرار” على تحالفات آنية ومصلحية لضمان وصول ممثل لكل منهما الى مجلس النواب.

يشير مطلعون الى أنه بالرغم من سوء القانون المعتمد في الانتخابات المقبلة، إلا أنه سيظهر الحجم الحقيقي لكل تيار سياسي وسيزيل كل “الورم” الذي نتج عن الانتخابات الماضية التي إعتمدت قانون الستين البائد.

Post Author: SafirAlChamal