الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رجل العمران والغرس… مازن . ع. خطاب

دولة الرئيس..

ثلاث عشرة سنة مرّت وكأن الحدث حصل بالأمس. أذكر ذلك الانفجار الغاشم الذي أودى بحياتكم وبدّد دويُّه صمت العاصمة بيروت فهزّ كيانها ويتّمها وأبكاها…  أذكر تسمّري أمام الشاشة لأتابع المجريات بينما بدأت القنوات الإخبارية تبث تباعاً صور اللهيب وأعمدة الدخان المتصاعدة قرب خليج الزيتونة والحديث عن تفجير كبير بهدف الاغتيال، أداته قنبلة وازنة تم سماع دويّ إجرامها في ارجاء بيروت!

أذكر عندما أعلَنَت المحطات الاخبارية أن الشخص المستهدف هو أنتم يا دولة الرئيس! وان الخبر نزل كالصاعقة وتجهّمت الوجوه المصدومة الشاحبة الحزينة، وبدأت المُقَلُ تذرف دموعها، واصاب الجميع حالٌ من الغضب الممزوج بالصدمة والحزن والانكار. مُذّاك اليوم لم تلقَ أسئلة عديدةٌ اجوبةً شافيةً تطفئ حسرة بلدٍ فقد في ظهيرةٍ حالكةٍ رفيقهُ الغالي فتغيّرت حياة اللبنانيين ودخل لبنان في المجهول.

لم أكن أتوقع حينها أنه بعد أكثر من عقد على اغتيالكم، وأنتم عملاق السياسة اللبنانية، أن ذكرى غيابكم ستعود والجرح غير مندمل، وأن الشجن سيتنامى مع كل عامٍ يمر تبحث فيه القلوب والعقول عن الحقيقة الضائعة .. يفتقدكم لبنان، كل لبنان.. فقد تركتم فراغاً كبيراً من الصعب ملؤه.. لقد ضحيتم بحياتكم من أجل الوطن.

دولة الرئيس.. أشياء كثيرة تغيرت مذ خَطَفَتكم أيادي الغدر، أشياء كثيرة تغيرت الى الأسوأ.. هو لبنان الذي كان جسر العبور إلى العالم ومحجّةٌ للأمم.. لبنان الذي كان حوار تواصل وبلد النخب للثقافة والريادة الفكريّة.. أصبح بلد النفايات والأزمات و«الزّويْعميين» و «المقاطعجية».. فغاب الإعمار وجُمِّد الإنماء وفرَّ الاستثمار ونَمَتْ البطالة والرغبة بالهجرة، وزاد هُزال الدولة .. وأي دولة هزُلت!

دولة الرئيس.. لم تفهم الطبقة الحاكمة القضية التي دفعتم حياتكم ثمنها وأمعنوا في لعبة المحاصصة والصراعات المذهبية وإلغاء الآخر.. وبالرغم من رفضي الشديد للمذهبية الا اننا نعيش في ظل دستورٍ طائفيّ، وعليه أني مجبرٌ لأن أُبلِغَكُم الضعف الذي أصاب أهل السّنة في لبنان والتشرذم الذي نخر صفوفنا فأصبحنا شتات لا كلمة وازنة لنا ونحن نشكل العدد الأكبر من المواطنين. بالمقابل، فإن أهل السياسة لم يتنبهوا أنّ لا أحد يستطيع لعب دورٍ أكبر من حجمه في بلدٍ مثل لبنان لا أفق فيه لأيّ لعبة ذات طابع طائفي أو مذهبي.. بل ينتهجون التفرقة وشد العصب الطائفي من أجل النفوذ والهيمنة على مقدرات البلد.. وقد كنتم أبلغ من اختصر كلّ ذلك بقولكم «ما حدا أكبر من بلده»، وايضاً مقولتكم «ما المهم مين بيبقى ومين بيروح.. المهم البلد»، ثَمّة حاجة اليوم إلى استعادة هذه العبارات أكثر من أيّ وقت مضى.

دولة الرئيس.. مازلتم دوماً وأبداً القدوة في التمسك بلبنان وبقيم العيش المشترك والرؤية لمستقبل الأجيال، ونموذجاً لما يجب أن يكون عليه رجالات الدولة.. وفي ذكرى اغتيالكم، يتملكني الحزن الشديد لأن الحقيقة لا زالت مُغفلة، بل يغضبني أن العديد ممن عايشوك وعاهدوك قد فرطوا بدمائك ودمائنا، وكرامتك وكرامتنا، وبتاريخك المشرّف. وهم الآن يقامرون بحاضرنا وأحلامنا ومستقبل أولادنا.. ولكنني يا دولة الرئيس لن العن الظلام بل سأجهد لأبدده بشعاع الشمس الساطعة.. بحزمٍ وإباء.

دولة الشهيد، سلام لروحك الطاهرة في علياك، ستبقى حياً في وجداننا لأن ذكراك ماثلة في أثرك الطيب.

الدكتور مازن ع. خطاب

Post Author: SafirAlChamal