الأزمة السورية تُبحث في ″سوتشي″.. أميركا تُحَرِّض في وجه روسيا

دخلت الأزمة السورية في طريقٍ جديد، ومُغاير عن سابقاته في الصراع الدائر في المنطقة منذ سنوات.

من المؤكد بأنَّ الدخول الروسي إلى سوريا قد وضع نقاط الصراع الدموي على الحروف، كما أوضح لأطراف الصراع التي تبحث عن مكاسب لها في الدم السوري، كما في باقي دول الشرق الأوسط بأنَّ عالم القطب الواحد قد إنتهى منذ وصول الرئيس بوتين إلى السلطة، هذا الأمر كان قد ذكره الرئيس بوتين في مناسبة إنتخابه الذي وجهه إلى شعبه في آذار من العام 2000 حين قال: إنَّ روسيا الإتحادية دولة مازالت تمتلك الكثير من عناصر القوّة، وهي ترغب في إستعمالها مع الآخرين وليس ضدّهم، من أجل إقامة عالم متعدّد الأقطاب.

من المؤكد بأنَّ المتضررين من الوصول إلى الحل في سوريا هم من عرقلوا سابقًا الوصول إلى الحلول السلمية منذ بداية الأزمة حتى يومنا هذا، وذلك ظنًا منهم بأنَّ سقوط سوريا سيكون بسهولة إسقاطهم للعراق، تونس، مصر وليبيا، فيسهل عليهم تطبيق مخطط مشروع ″نابوكو″ الذي يهدف إلى إضعاف القوة الإقتصادية الروسية في تصدير الغاز الطبيعي الروسي إلى القارة العجوز ″أوروبا″ من خلال منافسة ″نابوكو″ لمشروع ″السيل الجنوبي″ بشكلٍ أساسي. جميع هذه النقاط تشكل المقدمة الأساسية لما يحدث في فلك المفاوضات التي تُبحث على المستوى الدولي في الملف السوري، والتي يشكل مؤتمرا ″سوتشي″ و″فيينا″ إحدى أهم منطلقاتها.

إنَّ الإنقسام العامودي بين ″فيينا″ و″سوتشي″ هو صورة للإنقسام الدولي في سوريا، ففي وقتٍ إعتمدت الولايات المتحدة التذرع بالأمم المتحدة من أجل تغطية تدخلها في المستقبل السوري، كانت روسيا تتجه وبكل جرأة إلى وضع المستقبل السوري أمام أعين السوريين ودعوتهم للجلوس جنبًا إلى جنب في المؤتمرات السابقة في “الإستانة”، وصولًا اليوم إلى ″سوتشي″. تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة الضغط على أية محاولات جدية لوقف النزاع في سوريا تحديدًا وذلك لإعتبارات قديمة – جديدة أولها يكمن في العداء التاريخي لروسيا خاصة بعد مزاحمة الروس للأميركيين في الشرق الأوسط، وحسمهم لمعركة محاربة المجموعات الإرهابية بعد سنوات من إدعاء التحالف الدولي محاربة الإرهاب في سوريا، في وقتٍ تعتبر روسيا بأنَّ حماية مصالحها في أوروبا هو حق شرعي للشعب الروسي.

أما في المضمون فقد يظهر جليًا أنَّ ثمرة المؤتمرات الروسية التي عُقِدَت سابقًا ومنذ مدة لا تتعدى السنتين، تُقدم حلولًا عملية ومنطقية أكثر بكثير من مجموع المؤتمرات التي عقدتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لإلهاء الشعب السوري وإستكمال التنصل من الحل.

وفي ما يلي مقارنةٍ لأهمية ما تتضمنه مسودة مؤتمر ″سوتشي″ من حلول منطقية مقابل الخطة الخماسية التي قدمتها الولايات المتحدة والأطراف التي دعت إلى الإجتماع في ″فيين″:

على مستوى وحدة الأراضي السورية: تنص مسودة ″سوتشي″ على أهمية وحدة الأراضي السورية وعدم إجتزاء أي جزءٍ منها أو طرح أي تقسيم مقَنَّع، في وقتٍ تضمنت الخطة الخماسية تقسيم فدرالي يهز الكيان السوري ويقسمه إلى دويلات يسهل لاحقًا للولايات المتحدة وحلفاءها في الخليج أن تفرض سيطرتها عليها من أجل تمرير مشاريعها التجارية في وجه روسيا.

على مستوى تحديد المصير الداخلي: قدمت الخطة الخماسية على مستوى الحكومة والبرلمان تقسيمة داخلية تشبه إلى حدٍ بعيد الشكل الأميركي غير الوارد تطبيقه في منطقة الشرق الأوسط الذي لايشبهها بأي شكلٍ من الأشكال، لا بل يساهم في تعقيد الصراع وإستمراره. في المقابل تدعو روسيا اليوم إلى تلاقي الأفرقاء السوريين من أجل تحديد الشعب السوري لمستقبله ووضع الإصلاحات اللازمة كما يراها الشعب السوري وليس كما يراها الخارج.

اليوم ينتظر الشعب السوري ما ستؤول إليه النتائج في ″سوتشي″ بعد التحريض المبرمج الذي تمارسه الولايات المتحدة ودول الخليج على المعارضة السورية من أجل وضع شروط مسبقة قبل ذهابها إلى المؤتمر، في وقتٍ يستمر فيه فشل المفاوضات في ″فيينا″ كسابقاتها من المؤتمرات التي لا تتعدى الحيثية التنظيرية ويصعب تطبيقها، كل ذلك في سبيل إستمرار إبقاء أمل الولايات المتحدة الأميركية في تحقيق مكاسب ما في سوريا على حساب روسيا.

الدكتور المهندس زكريا أحمد حمودان (مؤلف كتاب ″اللامركزية، الطريق إلى الإنماء والإستقرار″، ورئيس التجمع الوطني للامركزية ونشر الديمقراطية)

Post Author: SafirAlChamal