أرجيلة ابو عمران: أولها دلَع وآخرها ولَع… ساندي الحايك

abo omran 2

تتوقف سيارة سوداء داكنة اللون على يمين الطريق في أحد أحياء جبل محسن. تُطلق زموراً يبدو مألوفاً لأصحاب المكان. يركض نحو السيارة طفل لم يتجاوز الـ16 من العمر. يحنو على الزُجاج الداكن الذي يحجب رؤية وجه من في السيارة. يسمع بصعوبة صوت يقول له: ″بدي رأس نعنع وحامض″. ما هي إلا ثوانٍ حتى يعود الصبي نحو السيارة التي شُرّع زجاجها لالتقاط ″الرأس″. بدوره، يتناول الصبي حسابه مدعوماً بالـ″بخشيش″ ويعود أدراجه إلى داخل المقهى.

يُراقب أبو عمران حركة الصغير وهو ينفث دخان نرجيلته باستمتاع مُردفاً: ″يلي أوله دلع آخره ولع″. ترتسم ابتسامة صفراء على وجه حفيده الواقف بالقرب منه وبين يديه ″منقل الفحم″، تكشف عن أسنان صفراء لشدّة التدخين. يعرف الشاب أن جده يقصد بقوله صاحبة السيارة التي تعرج يومياً على المقهى لشراء رأس نرجيلة. إذ يعتبر الكهل أن إدمان النرجيلة يحدث أسرع بكثير من إدمان الدخان، وهو يبدأ دلعاً وترفاً ليس إلا.

تحول مقهى ″أبو عمران″ أشهر مُعدّ نراجيل في جبل محسن إلى علامة تجارية في عالم النراجيل. من يريد أن يدعو رفيقه لتدخين ″رأس نرجيله″ لا مثيل له يجد طلبه لدى أبو عمران. ومن يريد أن يقضي ساعات من وقته مستمتعاً بجلسة “النرجيلة” يقصد أبو عمران. ومن يريد أن ″يعدّل دماغه″ ويفرّ ″طافشاً″ من الهمّ والغمّ يحجز مكاناً له في المقهى أيضاً.   

ذاع صيت المقهى بالرغم من كونه متواضع جداً. لا نوافذ براقة فيه ولا أبواب تفتح أوتوماتكياً. يُغطي طرفه المواجه للرصيف شادر من النايلون يقي أجساد الزوار الصقيع والشتاء. تحول المكان إلى محطة لاجتماع شباب المنطقة وجوارها والعسكريين العائدين من نوبات الخدمة. لا يُقدم المقهى خدمات كثيرة: نرجيلة وعصائر فقط. الانترنت غير متوفر ايضاً. بالرغم من ذلك يصعب أن تجد فيه كرسياً فارغاً إن قصدت ارتياده بعد الثامنة مساءً لشدة ازدحامه.

يعود سبب تمايز المكان إلى ″سرّ″ خلطة النرجيلة. شهد المكان مراهنات كثيرة بين الوافدين لكشف السرّ لكن من دون جدوى. يروي ابو عمران أنه ″في إحدى المرات عرض عليّ احد زبائني مبلغاً مالياً كبيراً مقابل الكشف عن الخلطة السحرية للنرجيلة″. يصرّ الرجل على أن الخلطة غير مرتبطة بمكونات أو وصفة محددة بقدر ما هي مرتبطة بـ″النَفَس″. يُشبّه أبو عمران تحضير رأس النرجيلة بتحضير الطعام، مردداً: ″الأمر يحتاج إلى نَفَسٍ طيبٍ″.

يُلاحظ الرجل الأربعيني نظرات الإستغراب على وجوه رواد المقهى الذين جلسوا موزعين انفسهم حوله بشكل دائري. كان بادياً توقهم لمعرفة تفاصيل الخلطة العجيبة. لم يُخيّب أبو عمران توقعاتهم وأفصح عن سره. قال: ″حسناً، ما أقوم به هو على الشكل التالي: أُفرغ علب المعسل (التنباك) في قدر ضخم. أخلطهم جيداً ثم أقوم بقسمهم إلى قسمين. قسم أتركه داخل المطبخ على حاله بينما أُفرش القسم الآخر على منشفة جافة وأضعها على السطح بواجهة أشعة الشمس. انتظر يوماً كاملاً إلى أن يكون المعسل قد جف تماماً. ثم أعيد دمج القسمين مع بعضهما البعض وأبدأ بتعبئة الرأس على الطريقة الجبلية″. ما يكاد يُنهي الرجل حديثه  حتى يُردف أحد الحاضرين: “هلق هيدي هيّ! إيه هينة كتير”. ينظر إليه أبو عمران باسماً ويُردف: ″قلتلك الشغلة بدها نَفَس مش تكتيك″.  

Post Author: SafirAlChamal