حكومة الحريري تنأى بنفسها عن طرابلس… غسان ريفي

لا يختلف إثنان في طرابلس، على أن مدينتهم إستُخدمت في السياسة والأمن على مدار السنوات الماضية، لتكون شريكة في ″الغرم″، وبعيدة كل البعد عن ″الغنم″، حيث دفعت الفيحاء ثمنا باهظا من دماء أبنائها، وممتلكات أهلها، ومن صورتها وسمعتها وإقتصادها الذي بلغ حدود الانهيار، من دون أن تحصل على أي تعويض جدي من التيارات التي وصلت الى السلطة والحكم على حساب فقراء المدينة.

في السياسة، أُطلق النفير العام في طرابلس بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري، فملأ جمهورها الساحات دعما للرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار، ثم إستخدم أبناؤها دروعا بشرية بين السراي الحكومي وبين المعتصمين من قوى 8 آذار الساعين الى إسقاط الحكومة البتراء برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة.

وفي الأمن، إستخدم أبناء المدينة العُزّل إلا من بعض العصي، في أحداث 7 أيار لمواجهة العناصر المدججة بالسلاح الذين إجتاحوا بيروت، قبل أن يقعوا مع جيرانهم من أبناء الجوار في قبضة المسلحين ويتحولوا الى أسرى تم الافراج عنهم فيما بعد، لتجد طرابلس نفسها أسيرة جولات عنف متتالية بين التبانة والقبة والمنكوبين وجبل محسن تحمل عناوين مختلفة من الرد على حزب الله لاجتياحه بيروت في 7 أيار، الى مواجهة النظام السوري ردا على إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولا الى العنوان العريض “دعم الثورة السورية” وقتال أتباع النظام السوري في المدينة.

أما في الانماء، فقد غابت كل المشاريع، وعاشت طرابلس على وقع الوعود من حكومتيّ السنيورة الى حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، لتجد نفسها تغرق أكثر فأكثر في مستنقع الفقر والبطالة والتسرب المدرسي والفوضى على كل صعيد، خصوصا بعدما تم نقل كل التوترات الأمنية إليها مجددا بهدف إسقاط حكومة إبن طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي الذي شكل “حكومة طرابلسية” مصغرة تضمه مع أربعة وزراء، وبدل أن تنشغل في إنماء المدينة وتعويضها كل ما فاتها من حرمان، إنشغلت في معالجة الفلتان الأمني وجولات العنف، وفي مواجهة التحريض السياسي والشحن المذهبي، وهي رغم ذلك، قامت بسلسلة خطوات تنموية متقدمة، أبرزها على صعيد توسعة المرفأ وتطويره وتعميق حوضه، وتأمين التمويل للبناء الجامعي الموحد، وإستكمال بناء القاعة الرياضية في الميناء، وتفعيل المستشفى الحكومي،  إضافة الى إقرار مبلغ مئة مليون دولار لطرابلس لتنفيذ سلسلة من المشاريع الصغيرة التي تهدف الى النهوض بالمدينة.

في حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية التي أبصرت النور بعد التسوية الرئاسية، إعترف “زعيم المستقبل” بصوابية “النأي بالنفس” الذي إبتكره الرئيس نجيب ميقاتي بعدما شن مع فريقه السياسي حربا شعواء عليه وسعى جاهدا لاسقاطه.

لذلك، لم يتوان الحريري عن مصادرة شعار إبن طرابلس، وإعتباره حكمة وطنية تحمي البلد، وهو شكل له خشبة الخلاص للتراجع عن إستقالته التي فرضت عليه في السعودية، بعد إعلان كل الأطراف إلتزامهم به.

يمكن القول إن “النأي بالنفس” يترنح اليوم على المستوى السياسي في ظل الخروقات المتتالية التي يتعرض لها، ويحرص الحريري على غض النظر عنها للحفاظ على موقعه في السلطة، لكن يبدو في الوقت نفسه أن هذا الشعار يطبق بحذافيره على طرابلس التي تنأى حكومة الحريري بنفسها عن كل ما يتعلق بانمائها وتنميتها على صعيد تنفيذ مشاريعها الملحة وحل أزماتها، وتفعيل مرافقها وتعيين مجالس إدارية لها، كما تنأى هذه الحكومة بنفسها عن إنصاف المدينة وإعطائها حقوقها كشريكة أساسية في الوطن على مستوى التعيينات والوظائف، لا سيما في الفئة الأولى، حيث يشير مطلعون الى أنه كان لطرابلس حصة وازنة جدا من وظائف الفئة الأولى في الادارة اللبنانية، لكنها تقلصت تدريجيا منذ العام 2005  لتصل اليوم الى أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.

كل ذلك يؤكد أن بعض التيارات السياسية تريد لطرابلس دائما  أن تكون “شريكة في الغرم، وليس في الغنم”، أما الانماء، فعبارة عن وعود زرقاء تطلق عشية الانتخابات وينتهي مفعولها مع صدور النتائح.

Post Author: SafirAlChamal