الحريري بين ″مطرقة″ بري.. و″سندان″ عون… غسان ريفي

بلغ الاشتباك السياسي ذروته في العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية مرسوم أقدمية الضباط، (دورة عون) حيث يصرّ الأول على تنفيذه بعد توقيعه مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بينما يرفضه الثاني جملة وتفصيلا مدعوما من النائب وليد جنبلاط الذي دعا الى ″العودة عن هذا المرسوم كونه غير متفق عليه″، في حين إعتبر بري أن ″تجاوز توقيع وزير المالية عليه، يقتل إتفاق الطائف″ الذي نعاه في حديث مع الاعلاميين يوم الثلاثاء الفائت.

يمكن القول أن هذا المرسوم يتخذ صفة ″ردّ الجميل″، فالرئيس عون يريد ″ردّ الجميل″ الى الضباط الذين ناصروه وساندوه في عهد الحكومتين بمنحهم أقدمية سنة، بينما يريد الرئيس الحريري ″ردّ الجميل″ للرئيس عون على وقوفه معه وإحتضانه والحفاظ على موقعه في رئاسة الحكومة، خلال أزمة إحتجازه في السعودية.

واللافت أن الرئيس الحريري لم يتجاوز توقيع وزير المالية فقط، بل أيضا تجاوز توقيع عضو كتلة المستقبل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق خصوصا أن المرسوم يشمل 16 ضابطا من الأجهزة الأمنية المختلفة التي تخضع لسلطة وزارة الداخلية، وهو إكتفى بتوقيع وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف، وإن كان تجاوز توقيع وزير المال يُعتبر مخالفة واضحة لدستور الطائف الذي بدأ يتآكل شيئا فشيئا في ظل العهد الجديد الذي يسعى الى إستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال العرف.

تشير مصادر مطلعة متابعة الى أن ″الهوة السياسية عادت لتتسع بين رئيسيّ الجمهورية ومجلس النواب، بينما الخطأ الأساسي إرتكبه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وافق على توقيع هذا المرسوم كرمى لعيون رئيس الجمهورية، ضاربا عرض الحائط إتفاق الطائف الذي من المفترض أن يكون الحريري المعني الأول بالحفاظ عليه، والسهر على حسن تطبيقه″.

وتقول هذه المصادر: ″إن خطأ الحريري هو واحد من الأخطاء الكثيرة التي يرتكبها منذ إنجاز التسوية الرئاسية التي أوصلته الى رئاسة الحكومة، حيث أنه يسعى الى تسديد الفواتير والديون التي بذمته من حساب الطائف، وعلى حساب طائفته والمسلمين عموما في لبنان الذين إنبرى الرئيس نبيه بري هذه المرة للدفاع عنهم″.

وتضيف هذه المصادر: ″كان يجب على الحريري أن يتعاطى مع قضية ″المرسوم الأزمة″ بحنكة أكبر، وأن لا يساهم في ضرب إتفاق الطائف، وكان يُفترض به أن يراعي صديقيه بري وجنبلاط اللذين كان يشكل معهما حتى الأمس القريب صمام أمان للحكم، لكن الحريري آثر خصومتهما على التحالف مع رئيس الجمهورية ومع التيار الوطني الحر″.

وترى المصادر نفسها الى أن ″الحريري بدأ يخسر ما جناه من شعبية بعد عودته من السعودية بفعل إستمراره في سياسة التنازلات، منبهة الى خطورة هذا المرسوم الذي من شأنه أن يؤدي الى شرخ بين الضباط من خلال شعور بعضهم بالظلم، والى توتر سياسي في لبنان هو بغنى عنه في ظل الظروف القائمة، لافتة الانتباه الى أن سلوك الحريري يشجع التيار الوطني الحر على المضي في سياسة مصادرة الصلاحيات تحت شعار ″إستعادة حقوق المسيحيين″ والذي بدأ يثير حساسيات الطوائف الأخرى، وحساسية تيارات سياسية ضمن الساحة المسيحية نفسها والتي بدأت أيضا تشعر بالتهميش″.

من الواضح أن الرئيس بري وبعد كلامه الصريح مع الصحافيين والرسائل الشديدة اللهجة التي وجهها الى رئيسيّ الجمهورية والحكومة، أنه ماض في رفضه المطلق لهذا المرسوم مدعوما من جنبلاط، وأن لا نية لديه لأي تراجع عن موقفه، في وقت يبدو فيه رئيس الجمهورية متمسكا بـ″ردّ الجميل″ لضباطه الى أبعد الحدود من خلال إصراره على تنفيذ المرسوم، الأمر الذي سيضع الحريري بين مطرقة بري وجنبلاط وبين سندان الرئيس عون، وسيؤدي ذلك الى إشعال حربا سياسية قد تصل بنتائجها الى ما لا يُحمد عقباه، لا سيما مع دخول لبنان في التحضيرات للانتخابات النيابية المقبلة.

Post Author: SafirAlChamal