تيار المستقبل: بيتٌ بمنازل كثيرة… عبد الكافي الصمد

أكثر من إشارة برزت مؤخراً دلت على أن الوضع داخل ″تيار المستقبل″ ليس على ما يرام، وتحديداً خلال الأيام الـ15 التي بقي فيها رئيس الحكومة سعد الحريري محتجزاً في السعودية، بعدما أجبر على تقديم إستقالته منها قبل رجوعه عنها في بيروت.

سرعان ما انقسم ″التيار الأزرق″ على نفسه، وظهرت التصدعات في صفوفه واضحة بسبب أزمة رئيسه، وتبين أن ″القلعة الزرقاء″ لا تملك الكثير من مقومات المناعة والقوة والصمود في مواجهة الأزمات، ما يدل على ضعف تماسكها وعدم وحدتها، لا بل إن كل شخص أو جناح داخل ″تيار المستقبل″ غرّد منفرداً في مقاربته الأزمة غير المسبوقة التي تعرّض لها، على يد من يفترض أنها الحضن والداعم الرئيسي للحريري وتياره وفريقه السياسي.

كشفت أزمة إستقالة الحريري عن وجود أجنحة عدة داخل ″تيار المستقبل″ كل منها له حساباته الخاصة وطموحاته ومقاربته المختلفة للملفات والقضايا الشائكة المختلفة، داخلياً وخارجياً، عدا عن مصالحه وعلاقاته الخاصة وارتباطاته في لبنان وخارجه، وأغلبها علاقات إما أقيمت بعيداً عن أعين مسؤولي التيار، أو أضحت أمراً واقعا لم تستطع “القيادة الزرقاء” فعل أي شيء حيالها.

أصيب أغلب مسؤولي وقواعد ″تيار المستقبل″ بالصدمة، ولزموا الصمت لأنهم لم يجدوا تفسيراً لما حصل ولم تتوفر لديهم معلومات كافية للإدلاء بمواقف معينة حيال ما جرى، ما جعلهم مربكين وضائعين أمام جمهورهم والرأي العام، أما البقية الباقية من مسؤولي ″التيار الأزرق″ والحلفاء فقد إنقسمت بين فريقين هيمنت مواقفهم على مجريات الأزمة، وأظهرت تباعداً كبيراً بينهما الى حد النقيض.

الفريق الأول وقف خلف الحريري واستمات في الدفاع عنه، رافضاً اتخاذ أي خطوة قبل عودته إلى لبنان، لا بل هاجم السعودية بشكل مباشر وغير مباشر على ما قامت به مع زعيمه، وعلى رأس هذا الفريق وقف آل الحريري ووزيرا الداخلية نهاد المشنوق والثقافة غطاس خوري ونواب وغيرهم فيما غرد بهاء الحريري خارج السرب، وهؤلاء شكلوا عصباً إلتف حوله العديد ممن يوافقهم الرأي والموقف حيال الأزمة.

أما الفريق الثاني فاستغل أزمة الحريري للإنقضاض على إرثه السياسي، بعدما ظنّ للوهلة الأولى أن الرجل إنتهى سياسياً، وأن مرحلة جديدة قد بدأت يفترض إستغلالها من أجل تطبيق مشروعهم وحلمهم، ووضع رؤيتهم السياسية موضع التنفيذ، رافضين التسوية التي عقدها الحريري والتي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أو إعادة إحياء التسوية مجدداً ويمثل هؤلاء، (بحسب الفريق الأول) مقربين من الرئيس فؤاد السنيورة، النائب السابق فارس سعيد، إضافة إلى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي يعتبر من أبرز حلفاء الحريري في 14 آذار.

هذا الإنقسام داخل البيت الأزرق ظهر أكثر فأكثر بعد خروج الحريري من السعودية وعودته إلى بيروت، وانطبق عليه بشكل لافت عنوان كتاب المؤرخ كمال الصليبي ″لبنان: بيت بمنازل كثيرة″، وتفاقم الإنقسام إلى حد الشقاق السياسي، لدرجة أن وزير الثقافة خوري، أعلن تبروئه من النائب السابق سعيد، وأنكر معرفته، ملمحاً إلى اتهامه، مع آخرين، بـ″الخيانة والغدر″.

هذه المؤشرات لم تكشف فقط حجم الأزمة الداخلية التي يعيشها ″تيار المستقبل″ وفريق 14 آذار، أو ما تبقى منه، بل أعطت إنطباعا أن الأيام المقبلة، وصولاً حتى الإنتخابات النيابية المقبلة، ستحمل الكثير من المفاجآت والتقلبات في المواقف والتحالفات، وأن تصفية حسابات كثيرة سيضج بها “البيت الأزرق” لن تبقى أصداؤها أسيرة الجدران.

Post Author: SafirAlChamal