معاناة الحريري داخل تيّاره أكثر من خارجه… عبد الكافي الصمد

لم يسبق أن أحدث تصريحا للرئيس سعد الحريري ردّ فعل عنيف ورافض في داخل تياره السياسي، كالذي أحدثه كلامه في مقابلة أجرتها معه مجلة ″باري ماتش″ الفرنسية الشهيرة، لما قال رداً على سؤال أن ″حزب الله لا يستخدم سلاحه في الداخل″، الأمر الذي دفع كثيرين من مناصري الحريري إلى انتقاده بشكل غير مسبوق.

لم ينفع توضيح الحريري لاحقاً من أن كلامه فُسّر على غير حقيقته، وأنه قال إن حزب الله ″لن″ يستخدم سلاحه في الداخل، أي أنه يشير إلى المستقبل، وليس إلى أحداث سابقة وماضية، وتحديداً أحداث 7 أيار عام 2008، التي جاءت في أعقاب قرار الحكومة في 5 أيار، أي قبل ذلك بيومين، بإلغاء شبكة إتصالات حزب الله، ما يهدد بكشفه أمام العدو الإسرائيلي.

مقربون من الحريري حاولوا تفسير كلامه على أنه يأتي من ضمن سياق التسوية الجديدة التي يجري العمل عليها بعد تريثه في تقديم إستقالته، التي سبق أن أعلنها في 4 تشرين الأول الماضي بشكل ملتبس، حينما كان محتجزاً في السعودية، حيث يبدو أنه أراد الحصول على ضمانة بعدم إستخدام سلاح حزب الله في الداخل، فأعلن عن مسعاه ورغبته في مقابلته مع المجلة الفرنسية.

لكن يبدو من ردّ فعل مناصري الحريري العنيف عليه على مواقع التواصل الإجتماعي وعبر وسائل الإعلام وفي الشارع، أن الإعتراضات فاقت ما كان الحريري يتوقعه، ما جعله يتفاجأ بحجم الرفض لما أعلنه ويدفعه إلى تفسير كلامه وشرحه.

وظهر بوضوح أن الحريري يعاني داخل تيار المستقبل أكثر مما يعاني خارجه، وعلى وجه التحديد منذ ″تحريره″ من السعودية، ذلك أن ″تجربة″ إحتجازه في المملكة ومن ثم إجباره على الإستقالة، جعله يعيد النظر جذرياً بعلاقته مع القوى السياسية في لبنان، من حلفائه إلى خصومه.

فبعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ذهب الحريري بعيداً في خطاب العداء السياسي تجاه خصومه في لبنان وخارجه، من حزب الله إلى العماد ميشال عون وفريق 8 آذار والرئيس السوري بشار الإسد وإيران، وسط أجواء شحن وتحريض سياسي وطائفي ومذهبي لم يعرفه لبنان من قبل، وفي ظل إحتقان غير مسبوق، ما جعل جمهور الحريري والقسم الأكبر من الشارع السنّي يسبقه في هذا العداء، ويذهب بعيداً فيه، إلى حد أن الحريري وجد أنه لا يستطيع إعادة هذا الجمهور الى حيث هو الآن، حتى لو أنه أراد أو وجد مصلحة في التراجع ولجم إندفاعة التحريض والخطاب السياسي والطائفي والمذهبي.

خروج جمهور الحريري، أو بعضه، عن سيطرته، كانت معالمه قد بدأت بالظهور تباعاً، وتحديداً منذ قبوله إنتخاب عون رئيساً للجمهورية قبل أكثر من سنة، وهو أمر أنذر بأن ″قبضة″ الحريري على تياره قد بدأت بالتراخي، لأنه إذا وجد الحريري أن هناك من مدّ له يد العون وأنزله عن شجرة خطابه السياسي المتطرف، فمن ينزل جمهوره عن شجرة التطرف العالية التي صعد إليها؟

لا شك في أن الحريري تنتظره أياماً صعبة داخل بيته الأزرق الذي يحاول ترتيبه قبل الإنتخابات النيابية المقبلة، لأن جمهوره سيجد نفسه أمام ثلاثة مفترقات طرق: فإما أن يقبل خطاب الحريري كما هو إلتزاما بشعاره الذي رفعه بأنه ″مع الحريري على الحلوة والمرة″، أو أن يرفض خطاب الحريري فينقلب عليه ويذهب إلى من يتنبى خطاباً متشدداً أو يذهب إلى خصوم الحريري الكثر، أو يلزم بيته و″يعتزل″ السياسة والشأن العام بعدما أصاب منه الإحباط مقتلاً.

Post Author: SafirAlChamal