أهالي القاصرين داخل السجون.. يروون مأساتهم… روعة الرفاعي

جلّ ما كان يخشاه ″هارون″ ابن الـ 16 سنة وهو داخل سجن الرملة البيضاء في ثكنة فحر الدين أن ″تغفو عيناه ليلاً وأن يسلم نفسه لسجناء أكبر منه سناً″ فكان يعتمد وزميل له في الغرفة التناوب على النوم ليحمي أحدهما الآخر.

لم تكن تهمة هارون وزميله خطيرة بقدر معاناتهما داخل سجن لا يلقون فيه العناية المطلوبة ″كأحداث″ يستطيعون بعد خروجهم منه، متابعة حياتهم بشكل إيجابي، بعد تأهيل وإصلاح، فاذا بهم يفترشون الأرض الى جانب رجال كان لهم صولات وجولات في عالم الاجرام (قتل-مخدرات- تحرش واغتصاب- ارهاب وقتل)..

أكثر من 100 قاصر يعيشون اليوم داخل السجون اللبنانية التي تعاني مشاكل جمة لجهة الاكتظاظ وعدم تأمين أدنى مقومات العيش السليم مع ما يمكن أن يترافق ذلك من مسلسلات الاجرام التي قد لا تنتهي سواء داخل السجن أو خارجه، واذا كان الرجال يشتكون من سوء المعاملة داخل السجون فكيف الحال مع أطفال لم تتجاوز أعمارهم الـ 15 سنة، وهم في الواقع ما زالوا بحاجة ماسة لرعاية أهلهم فاذا بقساوة الحياة تفرض عليهم واقعاً جديداً لا يعرفون عنه شيئاً في الوقت الحاضر الا انه بلا أدنى شك سيرسم مستقبلهم المدموغ بالفشل والسوداوية، وأكثر ما يمكن ان يحزّ في النفس أن الغالبية الساحقة من هؤلاء القصار هم من أبناء منطقة باب التبانة التي حكم عليها بالاعدام منذ سنوات الحرب الأهلية بعدما تركت أبنيتها شواهد حية عليها، فلم تحظ بالعناية واعادة الاعمار كغيرها من المناطق اللبنانية، فكان القدر محتوماً ″دمار البشر والحجر″.

تقول فاطمة عبد العزيز لهباوي شقيقة الموقوف أحمد: ″منذ سنة ونصف وشقيقي موقوف بتهمة الارهاب، اليوم عمره 18 سنة، بداية تم سجنه ضمن سجن الرملة البيضاء في ثكنة فخر الدين، والتهمة الملصقة به تعود لسنوات طويلة أي حينما كان عمره 13 سنة، فهل بالامكان اتهامه بمعارك لا تشبه سنوات عمره بشيء؟″.

وتضيف: ″أحمد يعمل في دهان الموبيليا، وكان يحرص على صلاته وأعتقد بأن هذه هي تهمته الوحيدة، كعائلة صدمنا في الوهلة الأولى لكن بدأنا بالعمل على نقله من سجن يضم العديد من المجرمين، فضلاً عن الصعوبات التي كانت تعترض أحمد لجهة عدم وجود انارة أو اي امكانية لادخال الطعام والشراب، لقد عانينا الأمرين لكن معاناتنا لا تقاس بتاتاً بمعاناته كونه قاصرا ولا يتمتع بأية قدرة على المواجهة، وبعد تحديد موعد أول جلسة له أستطيع التأكيد على أن القاضي حسين العبدالله صُدم من عمره، حتى ان أحمد نجح في التأثير عليه من خلال بكائه الذي هز أرجاء المحكمة، فأحمد الذي عاش في منطقة التبانة، عانى الويلات خلال الجولات القتالية بسبب خوفه الدائم من صوت الرصاص والقذائف فكيف بامكانه المشاركة في المعارك؟، سؤال طرحه أحمد على القاضي الذي التزم الصمت وطلب نقله الى مركز الأحداث في سراي طرابلس، والحقيقة ان أحمد اليوم ضمن نظارة السراي وليس في مركز للأحداث″.

وتختم فاطمة مناشدة الدولة ضرورة الاسراع بانهاء ملف الموقوفين من أبناء التبانة نظراً لمعاناة الأهالي والسجناء.

تقول ربى شاكيش والدة عثمان محمد آغا (15 سنة) موقوف منذ ثمانية أشهر بتهمة التواصل مع داعش، بالرغم من أنه لا يملك هاتفاً: ″تهمته تواصل مع فتاة فلسطينية في مخيم عين الحلوة، وما يثير نقمتنا كأهالي أن الجيش اللبناني قام باعتقال ابني بقوة السلاح من داخل المحل الذي يعمل فيه، وبعد انقطاع  دام 20 يوماً علمت بأنه ضمن مبنى الأحداث في سجن رومية، وهنا اود أن الفت نظر الجميع الى أن ابني تعرض للتعذيب والضرب المبرح وحتى اليوم لا يزال جسده يشهد على آثار الضرب، هذا فضلاً عن نفسيته المحطمة، تقدمنا بطلب اخلاء سبيل ولكن رفض″.

وأكدت أنه ″لم يكن لعثمان أي علاقات مشبوهة، وهو كان يعمل ليعيلها مع أشقائه بعدما توفي والده منذ سنوات طويلة″، وتضيف: ″أقوم بزيارة عثمان في السجن مرة أسبوعياً، وفي كل مرة أجده بحالة أسوأ من قبل، حينما حضر أول جلسة سأله القاضي أنت من مواليد 2002 ماذا تفعل عندنا؟، حتى ان مندوبة الأحداث أجهشت بالبكاء من هول صدمتها، ومع هذا تم تأجيل جلسته ثلاثة أشهر وعشرة ايام، وهنا أسأل اذا ظهرت براءة ابني من يعيد له ثقته بنفسه وبالدولة ويرفع عنه آثار الظلم الذي تعرض له؟.″

وتتابع: ″السجن يولد الحقد في قلب ابني، وأنا فعلياً أخاف عليه لحظة خروجه من السجن لم يعد لديه الثقة بأحد، وتفكيره قد تغير بعد معاشرته للسجناء، فمن يرفع عن كاهلنا الظلم اللاحق بنا؟.″

من جهتها باسمة فوزي عبدو والدة هارون شعبان ابن الـ 16 سنة تقول: ″منذ تسعة أشهر تم ادخال ابني الى السجن بتهمة الارهاب، والجيش لجأ بداية الى اعتقال ابني الكبير بهدف تسليم هارون وهذا بالفعل ما جرى، لكن الحقيقة أن أولادي اليوم داخل السجن دون أن يكون لنا كأهل الحق في السؤال عن مصيرهم، وهنا أشير الى ان هارون أدخل الى سجن الرملة البيضاء مدة ثلاثة أشهر وكان يتفق مع رفيق له في السجن على أن تكون فترات النوم مداورة بينهما خوفاً من الأجواء السائدة كونهما يعيشان مع رجال أكبر منهما بكثير ويخافان من التحرش بهما سيما وانه ما من كهرباء ليلاً، فأي قانون هذا الذي لا يحمي الأحداث؟، وأي مستقبل نتوقع لأبنائنا؟. وبعد مطالبتنا المريرة تم نقله الى مركز الأحداث في سجن رومية″.

Post Author: SafirAlChamal