معجزة إلهية تُنقذ عاصون ـ الضنّية من مجزرة!… عبد الكافي الصمد

car

كان كل شيء يوحي بالهدوء في بلدة عاصون ـ الضنّية، ليل السبت ـ الأحد، فالبلدة التي تعتبر واحدة من بلدات الإصطياف الرئيسية في المنطقة، كانت دخلت فصل الشتاء بكل رتابته، وبدأ السّكون يخيّم عليها بشكل كبير.

مساء ذلك اليوم، وبلا مقدمات، شهدت البلدة إشكالاً بين شخص يدعى إ. ج. من محلة بيت جيدة الموجودة عقارياً وإدارياً ضمن بلدة عاصون، مع شبان في البلدة، حيث وقع تلاسن، ثم انفضّ الجميع أملاً في أن يكون مجرد إشكال عادي لن تكون له أية مضاعفات، وأن يمر مرور الكرام وكأن شيئاً لم يكن.

لكن ذلك الأمل خاب سريعاً، بعدما تجدد الإشكال مرة ثانية ليل ذلك اليوم، وأعقبه إطلاق إ. ج. النار من بندقية صيد “بوب أكشن” باتجاه شبان كانوا متواجدين في أحد مقاهي البلدة، محدثاً هلعاً في صفوف الأهالي الذين صدموا بهول ما حصل، ودافعاً الأجهزة الأمنية للتوجه فوراً إلى عاصون لاحتواء الحادثة.

كانت أخبار الإشكال تتوارد سريعاً على مواقع التواصل الإجتماعي، وكان عدد الجرحى يرتفع تدريجياً مثل أرقام البورصة، من 3 جرحى إلى خمسة فسبعة وعشرة، قبل أن يستقر الرقم على 12 جريحاً، كانت العناية الإلهية قد تدخلت وجعلت الجميع إصاباتهم في أرجلهم، وإلا لكانت البلدة شهدت مجزرة لم تعرفها لا هي ولا منطقة الضنية ككل، من قبل.

وعلى الفور نقل الجرحى إلى مستشفى الضنية الحكومي المجاور في البلدة لتلقي العلاج، عرف منهم عشرة، وهم: أ. خ. وأ. د. اللذين كانت إصابتهما خطيرة وخضعا لعمليات جراحية، فيما تمت معالجة الثمانية الباقين، ونزع حبات الخردق من أرجلهم، وهم: ص. ح، ع. د، ط. د، أ. ح، أ. د، إ. ح، ف. ح وأ. ح.

في غضون ذلك إتخذ الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الاجراءات اللازمة وأوقفوا عدداً من المشتبه والشهود للتحقيق معهم وأخذ إفاداتهم، قبل أن يسلم مطلق النار إ. ج. نفسه خلال وقت متأخر من ذلك اليوم لمخابرات الجيش في الضنية، هو وشقيقه ع. ك.

ما حصل في عاصون ليل 25 تشرين الثاني 2017 كان بمثابة دقّ جرس الإنذار في البلدة والمنطقة، وأثار مخاوف من أن لا يكون ذلك مجرد حادث عابر، بل أن يعقبه في مراحل لاحقة حوادث مماثلة في البلدة والمنطقة، إذا لم تعالج تداعياته سريعاً، وأن تشكل معالجته مدخلاً لمنع تكرار حوادث مؤسفة مشابهة.

وترك الحادث في البلدة والمنطقة إنطباعات عدّة، أبرزها:

أولاً: عدم وعي الأفراد لأي عمل يرتكبونه من هذا النوع ما يدخلهم وعائلاتهم وبلداتهم في مشاكل هم بغنى عنها، إذ لو كان هناك وعي وإدراك كافيان لما وقع الإشكال أصلاً، أو لجرى إحتواءه سريعاً قبل وقوع الكارثة.

ثانياً: هناك مسؤولية كبيرة على العائلات التي يفترض أن تربي أبناءها على احترام الآخرين، وعدم الإعتداء عليهم معنوياً وجسدياً، سواء كان هذا الآخر قريباً أو جاراً أو من البلدة والمنطقة ذاتها، مهما كان الخلاف مع الآخر كبيراً، وكذلك عدم تركهم السلاح الفردي بين أيدي أبنائهم، وهذه مسؤولية أخلاقية كبيرة يتحمل الأهالي نتائجها، ويفرض عليها التشديد في تربيتهم لأبنائهم.

ثالثاً: المجتمع بدوره يتحمّل جزءاً من هذه المسؤولية، إذ يفترض بالفاعليات والسياسيين وكبار العائلات والوجهاء ورؤساء البلديات والمخاتير ورجال الدين وغيرهم، ليس أن يعالجوا المشكلة بعد وقوعها، بل أن يعملوا مسبقاً على تحصين المجتمع والحث على التآخي والتمسك بالقيم والأخلاق والإبتعاد عن العنف للحؤول كي لا تقع هذه المشاكل، وهذه مسؤولية يتحملها الجميع بلا استثناء.

رابعاً: إن الضنية بقيت أيام الحرب الأهلية البشعة (1975 ـ 1990) واحدة من مناطق لبنانية قليلة تنعم بالأمن والإستقرار، وجنّبها وعي الأهالي والفاعليات فيها تجرّع كأس مرّة لم تبق منطقة لبنانية إلا وتجرعتها، وهذا إرث إيجابي ينبغي على الكل المحافظة عليه وعدم التفريط به بأي شكل.

Post Author: SafirAlChamal