الحريري الى فرنسا.. غياب السنّة عن المشهد السياسي يهدد لبنان… غسان ريفي

أُنجزت التسوية وسيغادر رئيس الحكومة ″المحرر″ سعد الحريري السعودية متوجها الى بلده الثالث فرنسا، حيث من المفترض بحسب مصادر قصر الأليزيه أن يلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون يوم غد السبت، لتنتهي مرحلة الاحتجاز وتُفتح مرحلة جديدة يرى البعض أنها ستكون لـ″النفي السياسي″ المشروط سعوديا.

لا شك في أن الحريري سيكون في باريس محط إهتمام كل الاعلام العالمي الذي ينتظر أن يسمع منه كل التفاصيل المتعلقة بزيارته المفاجئة الى السعودية، وإستقالته الملتبسة أو المعلبة، والظروف التي أحاطت به خلال الأيام التي أمضاها في الرياض، لكن يبدو أن الاعلام لن يتمكن من إرضاء فضوله، حيث وبحسب المعلومات فان التسوية السعودية ـ الفرنسية تقضي بأن يتحصن الحريري بالصمت.

من المفترض بعد أيام الاستراحة الباريسية للحريري أن يعود الى بيروت ليقدم إستقالته خطيا الى رئيس الجمهورية، ثم يغادر عائدا الى باريس، حيث ثمة معلومات تقول: ″إن الحريري سيبتعد عن المشهد السياسي اللبناني لفترة، كونه لم يعد قادرا على الاستمرار في التسوية بسبب عجزه عن تنفيذ إلتزاماته مع الرئيس ميشال عون ومع حزب الله، وفي الوقت نفسه لن يستطيع تنفيذ التوجهات السعودية برفع سقف المواجهة معهما، خصوصا بعد كل ما تعرض له في المملكة، وحالة الانكسار التي بدت عليه.″

أمام هذا الواقع، فان ثمة محاولات سعودية لاجراء″حصر إرث″ للرئيس الحريري، ويبدو أن هذا ″الارث″ لن يؤول لأحد من عائلته، خصوصا بعد فشل تسويق بهاء الحريري الذي أحبطته العائلة بالدرجة الأولى، والغضب السعودي المتنامي على النائب بهية الحريري التي رفضت الذهاب الى السعودية، وعلى نجلها نادر الذي طلبت المملكة (بحسب المعلومات) إستبعاده من دائرة القرار مع الوزيرين غطاس خوري ونهاد المشنوق.

وبما أن السعودية تتطلع الى الاحتفاظ بالكتلة النيابية الزرقاء، وباعادة تشكيل أكثرية نيابية سنية موالية لها في الانتخابات المقبلة في حال كُتب لها أن تجري، فإن الأنظار تتجه الى الرئيس فؤاد السنيورة الضليع في المواجهات منذ عهد الرئيس إميل لحود وحصار السراي، لتسميته رئيسا للحكومة.

وبما أن قوى 8 آذار ترفض رفضا قاطعا تسمية السنيورة أو أي شخصية مستقبلية إستفزازية، وهي ترفض أيضا تشكيل حكومة جديدة إلا وفق التوازنات التي كانت قائمة وبمشاركة كل التيارات السياسية، وفي مقدمتها حزب الله، وذلك لضمان إستمرار العهد.

وبما أنه لا مكان أو حياة لحكومة اللون الواحد التي قد تستدرج التوترات الأمنية أو العقوبات العربية، فإن الأرجح أن يسود الفراغ في موقع الرئاسة الثالثة، وأن يصار الى تصريف أعمال الحكومة في ظل غياب رئيسها بالتعاون بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل..

هذا السيناريو سيجعل الطائفة السنية تغيب عن المشهد السياسي في لبنان، وستكون الترجمة الأولى لهذا الغياب في العرض العسكري الذي سيقام في عيد الاستقلال يوم الأربعاء المقبل، وعلى هذا الأساس سيكون السنة هم الخاسر الأكبر في كل ما حصل وما قد يحصل لاحقا، الأمر الذي سيرفع من منسوب الاحباط لديهم، وهذا ما سبق وحذرت منه قيادات سنية في مقدمتها الرئيس نجيب ميقاتي من دار الفتوى بعد أقل من 24 ساعة على إستقالة الحريري، حيث لفت الأنظار الى ضرورة عدم الوقوع في هذا الفخ، لأن لبنان لا يقوم إلا على التوازنات، وأن غياب أي مكون أساسي عن ممارسة سلطاته الدستورية، من شأنه أن يدخل البلد في النفق المظلم.

ثمة أسئلة كثيرة تطرح في الأوساط السنية لجهة: هل السنة مع السعودية أم ضدها؟، وهل السنة مع سعد الحريري أم ضده، وهل السنة يريدون المواجهة مع حزب الله أم لا؟.

وتأتي الأجوبة في اللقاءات التي تعقد على الشكل التالي: السنة مع السعودية لكنها سحبت الحريري وعطلت التسوية وعملت على شلّ عهد الرئيس العماد ميشال عون، كما أن السنة مع الحريري لكن السعودية كسرته وأبعدته عن الحكم، ورغم ذلك لا أحد يستطيع إنتقاد السعودية كونها الشقيقة الكبرى وتشكل العمق الاستراتيجي للسنة، أما فيما يخص حزب الله، فان السنة لا يريدون مواجهته، ولا يستطيعون تلبية الرغبة السعودية في هذا المجال، خصوصا بعدما تم إضعاف الرئيس الحريري، وتقسيم تياره السياسي الى أكثر من جناح.

وتخلص هذه اللقاءات الى أن مشهد وزيري الخارجيتين السعودية والفرنسية وهما يحددان مصير الرئيس سعد الحريري كان إستفزازيا للبنانيين عموما وللسنة بشكل خاص، وقد شعر الجميع أن عطلة الحريري الباريسية ستكون طويلة، وأن مرحلة غيابه القسري عن لبنان ستعيد نفسها، لذلك من المفترض أن تتقدم قامات سنية وطنية كبرى الى المشهد السياسي تكون قادرة على حفظ التوازنات في لبنان، وعلى إستعادة هيبة الرئاسة الثالثة والحفاظ على صلاحياتها، وهذا ما يجب أن يكون الشغل الشاغل في المرحلة المقبلة للحفاظ على إستقرار لبنان.

Post Author: SafirAlChamal