فرنسا تحرر الحريري.. ما هي السيناريوهات المطروحة لبنانيا؟… غسان ريفي

تدرك المملكة العربية السعودية أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في حجز حرية الرئيس سعد الحريري، لا سيما في ظل الضغط اللبناني الذي تمثل برفع السقف السياسي لكلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيث إعتبر أن ″ما تقوم به المملكة يشكل إعتداء على سيادة لبنان″، إضافة الى الضغوط الدولية، ما دفع المملكة الى الركون لتسوية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نسجها وزير خارجيته مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليل أمس، على أن تترجم خلال 48 ساعة بانتقال الحريري وعائلته الى فرنسا.

تشير المعطيات الى أنه بعد التصريح الناري للرئيس عون صباحا، تكثفت الاتصالات على أكثر من صعيد إقليميا ودوليا، ما أفضى الى إنتاج التسوية الفرنسية التي تبلغ عون بتفاصيلها، فأجرى تراجعا تكتيكيا، حيث نقل عنه مسشاره الوزير السابق إلياس بوصعب، ″أنه حريص على متانة العلاقة مع السعودية، وأنه قلق من أن يتم إستغلال غموض وضع رئيس الحكومة في المملكة للاساءة إليها″.

لا يختلف إثنان على أن الرئيس عون قاد الأزمة اللبنانية بدعم من الرئيس نبيه بري بكثير من الذكاء والحنكة والحكمة، وقد كان رفضه للاستقالة بالدرجة الأولى، ومن ثم إعلانه عدم الأخذ بكل ما يصدر عن الحريري من السعودية، بمثابة نأي بالنفس لبناني داخلي، ساهم في تهدئة الشارع، وفي التخفيف من تداعيات الزلزال السياسي الذي ضرب لبنان، بما في ذلك حماية الاقتصاد والاستقرار النقدي.

وفي هذا الاطار فان كثيرا من التساؤلات فرضت نفسها على المتابعين خلال الأيام السابقة لجهة: ماذا لو قبل عون إستقالة الحريري؟، وماذا لو تعامل خصوم الحريري مع إستقالته والبيان الناري الذي تلاه بردات فعل؟، وأي وضع كان سيشهده الشارع في ظل الأصوات التي وجدت في الاستقالة فرصة لبث سموم التحريض السياسي والشحن المذهبي والدعوة الى التحركات الشعبية؟، ثم قبل كل ذلك، ما هي الظروف التي كان سيواجهها الحريري في المملكة لو لم يحصل كل هذا الحراك السياسي محليا ودوليا للمطالبة به؟، علما أنه بالرغم من كل تلك الجهود التي بذلت إستمر الحريري 12 يوما محتجز الحرية، وشبه غائب عن السمع، إلا بما كان يسمح به الديوان الملكي.

لذلك يبدو أن الرئيس عون هو أكثر الحريصين اليوم، على عدم التفريط بالحريري وبالتسوية التي نسجها معه وأفضت الى إستقرار سياسي وأمني في السنة الأولى من عهده، فضلا عن حرصه على عدم التفريط بالتضامن الوطني غير المسبوق والذي تحقق من خلال المشاورات التي أجراها، وأيضا عدم التفريط بالنجاح الذي حققه في هذه الأزمة وجعله بالفعل أبا لكل اللبنانيين ورئيسا قويا يقف على مسافة واحدة من الجميع.

ما هي السيناريوهات المطروحة؟

في حال نجحت مهمة وزير خارجية فرنسا وهي ستنجح على الأرجح، فان الحريري سيكون في باريس مع عائلته في فترة أقصاها نهاية الاسبوع الحالي، وهو حتما سيعود الى لبنان حيث سيقدم إستقالته خطيا الى رئيس الجمهورية لتبدأ الخيارات المطروحة، فاما أن يُقنعه الرئيس عون بالعودة عن الاستقالة وهذا الأمر بات مستبعدا، أو أن يقبل عون الاستقالة، ويُجري إستشارات نيابية ملزمة تفضي الى إعادة تسمية الحريري فيُكلّف ولا يؤلف ويستمر في تصريف الأعمال لحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة، أو أن ينجح عون وبري في تعبيد الطريق أمام تأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري، بضمان طاولة حوار تكون مهمتها البحث في كيفية تطبيق شعار “النأي بالنفس” مع إظهار مرونة من حزب الله.

ومن السيناريوهات أيضا، أن يسمي الحريري شخصية مقربة منه ويشارك تيار المستقبل في حكومة تترافق أيضا مع طاولة الحوار، وتكون مهمتها إجراء الانتخابات، أو أن تتأزم الأمور ويصار الى تشكيل حكومة لون واحد، من دون حزب الله وقوى 8 آذار تعيد تحريك القمصان السود في الشارع، أو حكومة من دون المستقبل وقوى 14 آذار تستدرج عقوبات عربية وأميركية على لبنان، أو أن يرسو الخيار على تشكيل حكومة تكنوقراط بمهمة محددة هي إجراء الانتخابات فقط.

كل ذلك يشير الى أن لبنان سيدخل في الأيام المقبلة مخاضا عسيرا، خصوصا إذا ما أراد حزب الله المواجهة داخليا وإقليميا، إو إذا أرادت بعض الأطراف فرض تعديلات على قانون الانتخابات بما يؤدي الى تمديد رابع للمجلس النيابي.

ولا شك في أن كل ذلك سيضاعف من مسؤوليات الرئيس عون الذي ستقع على عاتقه مهمة حماية إنجازه وإيصاله الى نهايته السعيدة، من خلال تدوير الزوايا، وتقريب وجهات النظر السياسية للوصول الى تسوية بنسخة ثانية منقحة، ترضي الأطراف اللبنانية ولا تستفز ولي الأمر الاقليمي.

Post Author: SafirAlChamal