المستقبل يحرّض مجددا.. هل يُلدغ الشارع السني من الجُحر مرتين؟… غسان ريفي

فجأة ومن دون سابق إنذار، عاد ″تيار المستقبل″ الى المربع الأول وسارع الى نبش مصطلحات التحريض السياسي والشحن المذهبي التي كاد أن ينساها، بعد أن غرق في  التسوية الرئاسية التي أدت الى إنتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بدعم مباشر من الرئيس سعد الحريري الذي تولى رئاسة حكومة يشارك فيها حزب الله وسائر الخصوم، تحت شعار ″إستعادة ثقة الشعب اللبناني″، و″ضمان الأمن والاستقرار في البلد″.

قبل أقل من 24 ساعة على البيان ″المعلب″ الذي تلاه الرئيس الحريري من الرياض معلنا فيه إستقالته من الحكومة، وهجومه الناري على إيران وحزب الله، وتهديده بقطع الأيدي، كان الحريري نفسه إستقبل المستشار الايراني على أكبر ولايتي وخرج مرتاحا لأجواء اللقاء الايجابية، وكان يتحدث بلغة الواثق عن ″إستمرار حكومته بتعاون مكوناتها السياسية للنهوض بلبنان″، وقبل ذلك وعلى منبر مجلس النواب خلال مناقشة مشروع الموازنة أشاد الحريري على مرأى ومسمع كل اللبنانيين بآداء الحكومة، مشددا على أنه ″مصرّ على حماية لبنان من المخاطر الداهمة وأنه لن يعطي أي فرصة لاغراقه بحرائق المنطقة”، ناصحا بعدم “إستخدام خلافاتنا لضرب الاستقرار الوطني″، ونافيا وجود ″أي إحباط سني″.

كل هذه الايجابيات التي كانت موضع إشادة كل الخصوم وفي مقدمتهم حزب الله، نسفتها ″زيارة العمل″ التي قام بها الحريري على عجل يوم الجمعة الفائت الى السعودية، مؤجلا مواعيده في السراي الحكومي لحين عودته في اليوم التالي أو مطلع الاسبوع على أبعد تقدير.

وبغض النظر عما حصل في المملكة، وعما إذا كان الحريري قد أُجبر على تلاوة بيان الاستقالة (وهو ما بات مؤكدا)، وعما إذا كان موجودا هناك في الاقامة الجبرية أم لا، وعما إذا كان سيعود الخميس المقبل أم أن غيبته ستطول، علما أن مرافقه الشخصي محمد دياب عاد ليل أمس الى لبنان بمفرده، فإن ما يثير الاستغراب هو مسارعة الفريق السياسي للحريري من بعض الوزراء والنواب الى ″لغتهم الأم″ في التحريض السياسي والمذهبي، متناسين كل ما كانوا أدلوا به من تصريحات طيلة الأشهر العشرة الماضية، لتغطية آداء الحريري وتنازلاته السياسية، والدفاع عن التسوية التي نسجها.

المفارقة الطريفة التي شهدها لبنان ما بعد الاستقالة، هي سعي الخصوم الأساسيين من حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، الى التمسك بالحريري كرئيس لحكومة لبنان، من خلال التشكيك في إقدامه على خطوة من هذا النوع من دون ضغط سعودي، وقد ترجم ذلك الرئيس نبيه بري بعد لقائه الرئيس عون أمس، عندما أكد أنه ″من المبكر التحدث عن الاستقالة أو عن تأليف حكومة جديدة″، في حين سارع وزراء ونواب ″المستقبل″ الى ″التهليل″ لهذه الاستقالة والتأكيد بأن زعيم المستقبل إختارها بملء إرادته، فاتحين النار السياسية على من كانوا قبل ساعات قليلة يشددون على ″أهمية التعاون معهم من أجل تحقيق وحدة اللبنانيين″.

لا شك في أن ″المستقبليين″ وجدوا في هذه الاستقالة ضالتهم، علهم في ذلك ينجحون في إعادة تعبئة الشارع السني لمصلحتهم، وفي إستعادة بعضا من شعبيتهم التي تراجعت بشكل مخيف بسبب الآداء السياسي للحريري وبفعل غياب الخدمات وعدم الايفاء بالوعود. 

واللافت أن كثيرا من ″المطبلين″ لاستقالة الحريري، عادوا الى التحريض على حزب الله، ولم  يحترموا ذاكرة الشارع السني الذي أعطى “المستقبل” ما لم يعطه لأي من التيارات السياسية فملأ ساحاته، وقدم كثيرا من شبابه التضحيات وصولا الى بذل الدم لا سيما في طرابلس دفاعا عنه، قبل أن يجدوا أنفسهم إما في السجن، أو على قارعة الطريق، بعدما دخلت قيادات المستقبل في التسويات مع حزب الله نفسه، للوصول الى سدة الحكم من دون أن تلتفت إليهم.

اليوم بات ″المستقبل″ كما يبدو خارج الحكم، وقد بدأت بعض قياداته في محاولات لزج الشارع السني في مغامرة جديدة، ما يطرح سؤالا محوريا لجهة: هل سيُلدغ هذا الشارع من الجُحر الأزرق مرتين؟..

هذا السؤال جاءت إجابته سريعة عندما دعا “المستقبل” الى وقفات تضامنية مع الحريري فور إعلان إستقالته، ومن ثم ألغى هذه الدعوة، بعدما لمس أن المشاركة في هذه الوقفات لن تكون كثيفة، فضلا عن الهدوء الكامل الذي يلف المدن والمناطق السنية منذ إعلان الاستقالة، وهي كانت في السابق تثور وتتحرك وتقطع الطرقات بشكل عفوي، عندما يتعرض الحريري أو تيار المستقبل لأي مكروه سياسي أو أمني، ومن دون أن تنتظر قرارا من هنا أو دعوة من هناك!.

Post Author: SafirAlChamal