ماذا يستطيع الحريري أن يقدم للسعودية؟… غسان ريفي

بغض النظر عن الجو الاحتفالي الذي أوجده ″تيار المستقبل″ بالزيارة المفاجئة للرئيس سعد الحريري الى السعودية، ولقائه على عجل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن ثم الوزير ثامر السبهان، ومحاولة ″الكوادر الزرق″ الايحاء بأن رئيس الحكومة ما يزال الابن المدلل للمملكة دون سواه من القيادات السنية، فان كثيرا من التحليلات راحت تفتش عما إذا كان الحريري سيعود الى لبنان مكلفا بالتصعيد السياسي ضد حزب الله، وما يستطيع أن يفعله في هذا الاطار، في الوقت الذي ما يزال فيه أحوج ما يكون الى البقاء في السلطة.

يبدو واضحا من مسار الأمور، أن الحريري لا يستطيع أقله في الوقت الحالي أن يتبنى الموقف السعودي أو تغريدات السبهان وتصريحاته الأخيرة أو أن يعمل بوحيها، لأن هذا الأمر من شأنه أن يفجر حكومته، وأن يعيد الوضع السياسي في لبنان الى المربع الأول من التأزم والتوتر، لذلك فان ما أدلى به السبهان بعد لقائه الحريري بـ″أننا إتفقنا على كل ما يحقق الصالح العام ومصلحة الشعب اللبناني″، ترك تساؤلات حول كيفية تحقيق هذا الصالح وهذه المصلحة؟، وهل سيكون ذلك من وجهة نظر السبهان التصعيدية، أو من خلال سياسية الحريري التسووية..

تشير المعطيات الى أنه حتى لو طلبت المملكة من الحريري التصعيد، فان ذلك يحتاج الى تحالف سياسي مكين خلف زعيم المستقبل، لم يعد متوفرا اليوم في ظل إنفراط عقد قوى 14 آذار، وسعي تياراته الى نسج تحالفات وتفاهمات جديدة تؤمن من خلالها مصالحها.

فالكتائب يتجه الى التحالف مع خصم الحريري اللدود اللواء أشرف ريفي لتشكيل جبهة معارضة، والقوات اللبنانية تفتش عن تحقيق مكاسبها في “تفاهم معراب” مع التيار الوطني الحر، ومنشغلة في الوقت نفسه في شد الحبال السياسي مع الوزير جبران باسيل للحفاظ على وجودها في ظل إرباك يسببه لها خطاب الكتائب المتقدم شعبيا، في حين أن سمير جعجع في ظل هذه المستجدات لم يعد الحليف السرمدي الأبدي للحريري.

أمام هذا الواقع لا يبقى للحريري سوى التيار الوطني الحر، وهو ليس من السهل أن يفرّط بعلاقته مع حزب الله الذي وفى بوعده الرئاسي معه، لمصلحة زعيم ″تيار المستقبل″، خصوصا أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بدا في الحلقة التلفزيونية المباشرة مع رؤساء تحرير التلفزيونات اللبنانية لمناسبة مرور عام على ولايته الرئاسية، متمسكا الى أبعد الحدود بتفاهم مار مخايل، وهو لم يقارب إيران إلا من جانب الدور الكبير الذي تلعبه كقوة إقليمية وازنة في منطقة الشرق الأوسط، كما تناول السعودية من باب أن لبنان لم يخالف ميثاق جامعة الدول العربية في حين أن بعض الدول تخالفه بوضوح.

وفي الجهة المقابلة ثمة تحالف سياسي متماسك قوامه حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وتيار المردة، وتيارات وأحزاب أخرى، ولن يكون الحزب التقدمي الاشتراكي بعيدا عنه في ظل المستجدات الأخيرة على صعيد صفقة مبادلة المدنيين الدروز الذين إختطفهم ″داعش″، مع معتقلين لدى النظام في سوريا، بما في ذلك خروج شادي المولوي يرافقه ثلاثة مطلوبين آخرين من مخيم ″عين الحلوة″ الى إدلب السورية، وهذا التحالف قادر في أي لحظة على عزل الحريري من خلال فرط عقد الحكومة، كما حصل في العام 2011.

في غضون ذلك يبدو واضحا أن الحريري في حال قرر التصعيد، لن يجد حلفاء وازنين الى جانبه في ظل تبدل الظروف والمعطيات محليا وإقليميا، علما أن زعيم المستقبل يواجه وضعا غير مريح في بيئته السنية التي تعارض سلوكه السياسي الذي أفقد رئاسة الحكومة هيبتها، فضلا عن علاقاته المتوترة مع أكثرية القيادات السنية الأساسية التي تربكه بمواقفها سواء في إنتقادها للسلوك الداخلي لحزب الله، أو في سعيها الدؤوب للحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة وعدم التفريط بها، وحماية الموقع السني الأول.

هذا الواقع يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: من هي القوى التي يمكن أن تقف الى جانب الحريري في حال قرر التصعيد؟، وهل هو مستعد اليوم وعلى مسافة أشهر من الانتخابات النيابية أن يتخلى عن السلطة؟، وفي حال تخلى عنها ماذا يبقى لديه للتفاوض مع الأطراف الوازنة محليا وإقليميا؟، وكيف سيتعامل مع أزمته المالية التي تضغط عليه سياسيا وشعبيا؟.

لذلك ترى مصادر سياسية مطلعة، أن الحريري قد يكون إستمع الى وجهة النظر السعودية، لكنه في الوقت الراهن لا يستطيع أن يقدم للمملكة شيئا، لذلك فان ″الستاتيكو″ القائم سيستمر على ما هو عليه، بانتظار تبدل الظروف أو الوصول الى آلية عمل جديدة، والى أن يحين ذلك، ستبقى السعودية على موقفها، وسيبقى السبهان يغرد تصعيدا، وسيلتزم الحريري بشعار النأي بالنفس، مع تمسكه بالتسوية!..

Post Author: SafirAlChamal