مشروع ″نبض الحيّ″.. الموسيقى بديلا عن السلاح

nabad

شكل مشروع نبض الحيّ الذي أطلقته مؤسسة الصفدي قبل نحو عام، وإختتمته يوم أمس في حفل وطني جامع في معرض رشيد كرامي الدولي، خطوة متقدمة على طريق دمج أبناء التبانة وجبل محسن والقبة، وإزالة الحواجز النفسية التي إرتفعت بينهم خلال السنوات الماضية التي إستخدمت فيها طرابلس صندوق بريد لتبادل الرسائل السياسية والأمنية.

مشروع نبض الحي الذي يجمع أكثر من 200 طفل وشاب وشابة من محاور جولات العنف السابقة ولاجئين سوريين وفلسطينيين، يهدف الى تلاقي أبناء تلك المناطق على الموسيقى التي تشكل ثقافة جامعة، حيث تعارفوا، ثم تعاونوا وتعلموا وأنتجوا “أوركسترا” للغناء والعزف، تتناغم فيما بينها لتقدم أرقى الفنون بغض النظر عن الطائفة والمذهب والجنس والجنسية.

يمكن القول أن مشروع نبض الحيّ، أطلق الخطوة الأولى على طريق المصالحة المنشودة في تلك المناطق، وهو جاء إستكمالا للخطة الأمنية التي أوقفت جولات القتال، بينما فتح المشروع المناطق على بعضها البعض، وساهم في تغيير نمط تفكير كثير من الشباب الذين نشأوا على العداء فيما بينهم، وبدل أن يفتشوا على سلاح ليقاتلوا فيه بعضهم البعض، تسلموا آلات  موسيقية كل بحسب موهبته، وفتشوا عن كيفية التعاون لتقديم الأجمل، ففجروا طاقاتهم وإبداعاتهم الفنية، وقدموا لأهاليهم نموذجا رائدا عن العيش الواحد الذي من المفترض أن تنعم به تلك المناطق وغيرها من المدن اللبنانية.

المشروع أطلقته مؤسسة الصفدي وموّله برنامج الصندوق الانساني للبنان التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية “أوشا”، وشارك فيه مجلس شباب التبانة، جمعية روح الشباب وأكاديمية شباب القبّة، وأشرفت عليه عرابته رئيسة جمعية “أكيد فينا سوا” فيولات الصفدي التي تابعت تفاصيله وأشرفت مع لارا محمد الصفدي على المشاركين وتطور آدائهم وصولا الى إتقانهم العزف والغناء في “أوركسترا” فنية راقية ظهرت خلال الحفل وأبدعت وأدهشت الحاضرين الى جانب الفنان جوزيف عطية.

الحفل حضره كل المكونات السياسية في طرابلس وشخصيات من الأمم المتحدة، وإجتماعية وممثلين عن المجتمع المدني وحشد من المهتمين، وإستهل بالنشيد الوطني اللبناني الذي عزفته أوركسترا نبض الحي، فترحيب من مديرة المشروع إليان صهيون، فكلمة عرابة المشروع فيولات الصفدي التي إعتبرت ان “الرهان على نجاح المشروع انطلق من القناعة بأن المشكلة الحقيقية لم تكن يومًا بين أهل باب التبانة والقبة وجبل محسن بل لدى افراد آخرين ولأسباب أصبحت معلومة عند الجميع”.

ورأت ان “التجربة مع الأولاد أظهرت ومن اليوم الأول وبوضوح ان التوترات التي حصلت في السنوات الماضية مصطنعة ومفتعلة وبعيدة عن أهل طرابلس الذين يواجهون الحقد بالمحبة، والتطرّف بالإيمان، والضغينة بالأمل” شاكرة “أهل الأطفال الذين لولا دعمهم لما كان المشروع أبصر النور”.

وأشارت الصفدي الى ان “هذا المشروع المنفد من قبل “مؤسسة الصفدي” هو بعيد كل البعد عن السياسة لأن المؤسسة كانت وستبقى داعمة لبناء الفرد بغض النظرعن انتمائه الديني او السياسي” وحذّرت من ان “يصبح هذا الجو من التآخي في خطر خصوصًا ان الانتخابات النيابية على الابواب وهي فترة يكثر خلالها التجييش واللعب على العصبيات” متمنية على الأطفال “الا يدعوا اي سبب يفرقهم من جديد” مؤكدة ان “هذا الكلام يأتي في اطار تأكيد المؤكد لأن الجميع بات يتحلّى اليوم بالوعي وان الحقيقة حلّت بينهم، فيما التضليل أصبح في مكان آخر”.

ثم تحدث الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي فيليب لازاريني فأشار الى أن “عوامل الفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية أثّرا سلبًا على أطفال وشباب جبل محسن، وباب التبانة والقبة، ما أدّى الى ارتفاع نسب البطالة، وخصوصا بين صفوف الشباب الذين يعيشون في هذه المناطق” معتبرًا انهم “باتوا يعانون من انعدام الاستقرار، وذلك بسبب غياب التماسك الاجتماعي والثقة بين أفراد المجتمع المنتمين الى طوائف مختلفة”.

وأشار الى انه “وبالرغم من المصاعب التي يواجهونها، هؤلاء الأطفال والشباب هم أبطال في تخفيف التحديات والتوترات”. ورأى ان “بعد خضوعهم لتدريبات تعليمية وعلاجية مع الأساتذة من المناطق عينها، تعلّموا عزف الموسيقى معًا، والرّقص، والغناء في جوقة، وتأليف أغانٍ جديدة تروي حكاياتهم” معتبرًا ان “ذلك منحهم فرصة التعلّم والنمو معًا، والتعاون على تبادل رسالة التعايش سلميًا خلال فترة تسودها الأزمات والصعوبات”.

ثم تحدث الوزير بوعاصي فحاطب الأطفال بالقول: “أحسدكم لأنكم من باب التبانة وجبل محسن والقبة” داعيًا اياهم “الا يدعوا احدًا يعيّرهم بأنهم أبناء هذه المناطق بل على العكس حثّهم على ان يبقى رأسهم مرفوعا ومتحلين بالفخر بأنهم ينتمون الى منطقة تحتوي على طاقات بشرية وانسانية عديدة”، لافتًا الى ان “جميع البلدان والقارات مرّت بمعاناة ولكن بالارادة نتخطى كلّ شيء” معتبرًا ان “الأهمّ من كلّ ذلك هو ان يعرف الفرد كيف يخرج من المعاناة بالتصميم والإرادة وعدم الإنجرار وراء الأحداث ورفض الآخر”.

بعد ذلك، عرض فيلم وثائقي، ثم أدت أوركسترا “نبض الحي” باقة من الأغاني الوطنية ترافقت مع الدبكة والعزف على البيانو إضافة الى أغنيتين من تأليف الأطفال والمديرة التقنية للمشروع فاديا دوماني ونشيد المشروع “نحن الأمل”. كما شارك الفنان جوزيف عطيه الأطفال بأغنية “لبنان رح يرجع”. ثم قطع الحاضرون قالبا من الحلوى يحمل إسم المشروع.  

Post Author: SafirAlChamal