ميقاتي من مجلس النواب: لاتساع صدر الحكومة لانتقاداتنا الايجابية

إقترح الرئيس نجيب ميقاتي على الحكومة ان تعدل القانون رقم 360  الصادر عام 2001 والمتعلق بمهمات وعمل مؤسسة تشجيع الاستثمار. لافتا الى ان الاقتراح يقضي بجعل العاصمة بدائرة يبلغ قطرها ستين كيلومترا منطقة (أ)، وكل المناطق التي تبعد اكثر من 60 كيلومترا عن العاصمة هي مناطق (ب)، وتستفيد من حوافز مشجعة مرتبطة بعدد الوظائف المستحدثة، مؤكدا أن هذا الاقتراح ينصف المناطق اللبنانية كافة، وخصوصا المناطق التي تضررت من جراء التهميش الاقتصادي الرسمي وفي طليعتها مدينة طرابلس، وعكار والضنية.

كلام الرئيس ميقاتي جاء في مداخلة له في مجلس النواب خلال جلسة مناقشة قانون الموازنة العامة للعام 2017، حيث إستهلها بتوجيه الكلام الى رئيس مجلس النواب قائلا: مع بداية العقد عام 1992 تم انتخاب دولتكم رئيسا لمجلس النواب، وفي مناسبة اليوبيل الفضي اتقدم من دولتك بالتهاني متمنيا لك طول العمر والصحة والعافية،

وشكر ميقاتي الله على  نعمة الالتئام اليوم لمناقشة  مشروع قانون  الموازنة  لعام 2017 ، وأمل ان نناقش موازنة العام 2018 قبل انتهاء هذا العقد  كما تنص المادة 83 من  الدستور. وقال: إن الموازنة التي نناقشها صرف اغلب اعتماداتها، والافضل ان نناقش المقاربات الاقتصادية، وهذه المقاربات تطرق اليها معالي  وزير المال مشكورا في فذلكة الموازنة ووضع الاصبع على الجرح في الكثير من المواضيع وتطرق بشكل مسهب الى الممارسات الخاطئة، وكنا نتمنى لو انعكست مقاربة معالي وزير المال ومقاربة رئيس لجنة المال النيابية بشكل افضل على مشروع الموازنة بشكل افضل لناحية المنهجية والارقام ونوعية الانفاق.

وأضاف: في علم المال فان الموازنة هي خارطة طريق للاصلاح والانماء ، فهل نحن فعلا نسلك هذا المسار؟ في الواقع فان الموازنة التي بين ايدينا هي  مجرد أرقام، في حين ان الموازنة بشكل عام  ليست  فقط موضوع  هندسة ارقام بين الواردات والنفقات بل سياسة اقتصادية اجتماعية انمائية  من ثوابتها:تحفيز النمو، تنويع وتوسيع شرائح الاقتصاد ،توفير فرص عمل ،وانشاء مشاريع لتحديث البنى التحتية.  إن الموازنة التي نناقشها اليوم  تفتقر الى كل هذه الاهداف، فهي  عبارة  عن مشروع محاسبي من دون تحديد مكامن الهدر والخلل والفساد أو تحديد اولويات اصلاحية  واجب تنفيذها تنظيميا واداريا ورقابيا. إن ارقام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن الانفاق والهدر مرعبة، وباتت كلفة الفساد والهدر  تشكل ما نسبته تسعة في المئة من الناتج المحلي ، اي حوالى 4،5 مليار دولار، كعبء على الاقتصاد الوطني،اضافة الى الهدر الناتج عن المنافسة غير المشروعة بسبب اعمال التهريب، فبات الاقتصاد اللبناني عاجزا عن تحمل المزيد. ارقام البنك الدولي تشير ايضا الى ان 8  في المئة  من   الناتج المحلي ، اي ما يعادل 4 مليارات دولار هي عبء على الاقتصاد بسبب  سوء حال الطرق وازمة  السير. ايضا 55  في المئة من سكان لبنان يعيشون دون الحد الادنى من المستوى المعيشي اللائق ، هذا اذا كانت لهم فرصة للعمل. خمسون في المئة من خريجي  الجامعات باتوا مشاريع للهجرة مع ما يعني ذلك من فقدان الادمغة ، فيما النصف الباقي  لا عمل له   في وطنه .البيئة ومعضلة النفايات بات اثرهما السلبي على الصحة مرتفعا جدا مع ما يواكب ذلك من تصاعد  قيمة الفاتورة الصحية والاستشفائية . المعشات التقاعدية تزداد وتنمو بشكل مطرد.الكهرباء ومشاكلها الكل يعلمها.

وتابع الرئيس ميقاتي: إن لبنان الاقتصادي اليوم  على مفترق طرق يفرض علينا القيام بخطوات جديدة، والمسؤولية في هذا الاطار تقع على المجلس النيابي الذي ينبغي ان يتخذ قرارات جريئة كما فعل في الماضي بما يتعلق بعدم المساس باحتياطي الذهب لدى مصرف لبنان. والمطلوب من المجلس الكريم الزام الحكومة  بعدم تجاوز سقف معين للاستدانة  وبخفض العجز بالنسبة للناتج المحلي تدريجيا للوصول الى تطبيق المعايير الدولية، ووضع جدول زمني ملزم  للتحديث والمكننة الكاملة للادارة .إضافة الى ذلك يجب تفعيل دور اجهزة الرقابة وهي شبه غائبة اليوم، فألمفتش العام المالي يقول ان التفتيش لم يبت اي قضية  لان المجلس لم يعقد اي جلسة  منذ ثلاث سنوات . وفي ديوان المحاسبة لا يوجد اي رئيس غرفة بالاصالة بل الجميع بالوكالة، ولا يصدر اي قرار الا وفق رغبة المرجعيات السياسية ولنيل رضاها على امل التثبيت. وبالأمس قرأت مقابلة مع رئيس الهيئة العليا للتأديب يقول فيها: هل يعقل في ظل الهدر والفساد الكبير في الدولة أنه لم يحاكم امامنا الا مديرا واحدا ولاسباب لا تتعلق بالفساد بل لتمرده وعدم حسن تعامله مع الوزراء؟

وأردف ميقاتي: ان احالة عشرة ملفات في الاعوام الخمسة الماضية تدل على أنها ترتبط بمزاجية المراجع التي كلفها القانون الاحالة على الهيئة العامة للتأديب،ما يعني ان هذه المراجع، اذا شاءت، احالت من تناول منقوشة اثناء العمل ، واذا لم تشأ ، فان   مختلسا بملايين الليرات لا يحال. وكل هذا يا دولة الرئيس لا يشجع الاستثمار وبالتالي  يقلّص الاقتصاد  ،فاين نحن من دولة القانون وتنفيذ القوانين المدنية والتجارية؟ اين نحن من التشريعات والقوانين التي  تسهّل الاعمال؟  اين نحن من  الادارة النزيهة  والحوكمة ووضع حد للدفع المبطن. ويوجد في التعريف الدولة والحكومة، الدولة هي ثابتة وتأتي الحكومات لتسير شؤون الدولة حسب سياسة هذه الحكومة. لسوء الحظ اختلط الحابل بالنابل فاصبحت الحكومة طاغية على مفهوم الدولة بشكل عام ، وبات الموظفون يترفعون فقط حسب محسوبياتهم ومرجعياتهم.ماذا نقول للقاضي النزيه وللضابط النزيه اذا لم يكن ينتمي الى حزب او تيار او حركة؟

وشدد ميقاتي على ضرورة إتخاذ خطوات جادة لتشجيع الاستثمار وتحفيزه، مقترحا على الحكومة ان تعدل القانون رقم 360  الصادر عام 2001 والمتعلق بمهمات وعمل مؤسسة تشجيع الاستثمار. والقانون ذاته يعطي الحكومة الحق بتعديله بعد خمس سنوات من صدوره. والتعديل المقترح يطال تقسيمات المناطق التي تنطبق عليها الحوافز.

لافتا الى ان الاقتراح يقضي بجعل العاصمة بدائرة يبلغ قطرها ستين كيلومترا منطقة   (أ) ، وكل المناطق التي تبعد اكثر من 60 كيلومترا عن العاصمة هي مناطق(ب)، وتستفيد من حوافز مشجعة مرتبطة بعدد الوظائف المستحدثة، ومع هذا الاقتراح نكون انصفنا المناطق اللبنانية كافة، وخاصة المناطق التي تضررت من جراء التهميش الاقتصادي الرسمي وفي طليعتها مدينة طرابلس، وعكار والضنية.

وأمل ميقاتي من خلال هذا الاقتراح ان ننمي المناطق كافة ونحوّل النمو من معدلات  متدنية الى مستويات مقبولة ينتج عنها توفير فرص عمل اضافية ما يساهم في التصدير ويؤمن توازنا في ميزان المدفوعات وتقليصا في  العجز التجاري، وعندها يكون القطاع الخاص يساهم في استيعاب اليد العاملة مما يحد من التوظيف العشوائي  في الدولة، لأن ما بلغه حجم الانفاق على رواتب القطاع العام بات مخيفا ويستهلك حوالى ثلث الموازنة ، فيما تستهلك خدمة الدين العام  قرابة ثلت آخر، ويشكل الدعم والتحويلات قسما وافرا من الانفاق، ما يبقي اقل من 8 في المئة للنفقات الاستثمارية الضروية لمواكبة النمو الاقتصادي. وكل القواعد الاقتصادية والشرعية والفقهية تقول ان اي استدانة للاستثمار مقبولة ، اما الاستدانة  لغاية المصاريف الجارية فهي كارثية على مستوى الموازنة والوطن.

وختم ميقاتي: اذا استمرينا بعملية  التوظيف والاستدانة  للانفاق الجاري على النمط السائد، اضافة الى الهدر والفساد وعدم صيانة وتأهيل  البنى التحتية،  فسنكون على مشارف كارثة كبرى، لذلك اتمنى على الحكومة أن تأخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار وان يتسع صدرها للنقد البناء والايجابي، لأننا بتنا نشهد في الفترة الاخيرة ضيق صدرها  من اي ملاحظة، في وقت يضج الشارع بالأخبار المتعلقة بكيفية اتخاذ القرارات الارتجالية حينا وفي اسلوب مقاربة المواضيع المطروحة احيانا  ، ناهيك عن الانفاق المفرط في  قطاعات عدة ما يجعل المواطن العادي في حال من الذهول والاستغراب، ناهيك عن تشعب الموقف  والقرار داخل الحكومة بين وزير وآخر.إن الحكومة  تعتمد  سياسة الناي بالنفس انتقائيا خارجيا وداخليا، وتطبقها انتقائيا  خاصة في ما يتعلق  بخلافات الوزراء وهي خلافات جوهرية تتعلق بآلية العمل الحكومي ومركزية القرار. وما شهدناه قبل يومين من تبادل للاتهامات وردود وردود مضادة خير دليل على ما اقول، وإني اخشى اذا استمر الوضع على هذا المنوال ان نكون امام ازمة حقيقية في ظرف احوج ما نكون فيه الى تحصين الداخل اللبناني ضد اهواء الخارج. 

Post Author: SafirAlChamal