الحريري في طرابلس.. بين إستعادة الشعبية وإستعادة الثقة!… غسان ريفي

من المفترض أن يُدرك أمين عام ″تيار المستقبل″ أحمد الحريري، أن إستعادة شعبية تياره في طرابلس لا يمكن أن تكون من خلال مهرجان، يعرف القاصي والداني كيف تم تجميع المشاركين فيه ومن أية مناطق، ولا بإغراء هذا المفتاح الانتخابي أو ذاك بتقديمات أو مساعدات أو إمتيازات لتبديل إنتمائه السياسي، ولا بترهيب بعض الكوادر لإجبارهم على أن يستظلوا بـ″المظلة الزرقاء″، ولا بفرض حصار على الخصوم السياسيين في المدينة لمنعهم من تأدية أي خدمة لمؤيديهم.

مخطئ من يعتقد أن أزمة ″تيار المستقبل″ في طرابلس يُمكن أن تُحل بشيء من ″البروباغندا″ السياسية والاعلامية والشعبية، أو بمجرد عقد جلسة لمجلس الوزراء فيها، أو من خلال تكثيف زيارات الأمين العام للمدينة، وتقديم واجب العزاء أو التهاني للأهالي في مناسباتهم الاجتماعية المختلفة، فالكل بات يعلم بمن فيهم قيادات المستقبل أنفسهم، أن ما يواجهه “التيار الأزرق” في عاصمة الشمال هو أزمة ثقة بدأت تنهار تدريجيا بعد إنتخابات العام 2009، الى أن وصلت الى أدنى درجاتها اليوم لدى السواد الأعظم من الطرابلسيين.

لا تحتاج طرابلس الى مهرجانات أو خطابات أو مزيد من الصور المرفوعة في شوارعها، فقد ملّت المدينة هذه الظواهر التي لا تنفذ مشروعا، ولا تحقق إنماء، ولا تطعم جائعا، ولا توجد فرصة عمل، بل تحتاج طرابلس الى صدق في النوايا، والى تنفيذ الوعود الكثيرة التي أغدقت عليها منذ سنوات وما تزال حبرا على ورق.

لا يخفى على أحد أن طرابلس أعطت كل ما يمكن أن يُعطى الى ″تيار المستقبل من إلتزام سياسي وولاء كامل على حساب قياداتها، وأصوات في صناديق الاقتراع منحته الأكثرية المطلقة على المستوى اللبناني. لكن إحسان طرابلس لم يواجه بالاحسان الأزرق، بل بوقف المساعدات والتقديمات بحجة الأزمة المالية، ومن ثم باقفال المستوصفات والمراكز الصحية، وبعدها باستخدام المدينة صندوق بريد سياسي وأمني من يوم الغضب الشهير، الى جولات العنف التي حصدت الخراب، والآلاف من القتلى والجرحى، وأدت الى إنهيار إقتصادي كامل في كل المرافق والمؤسسات.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن المدينة التي دفعت دمها ثمنا لمغامرات سياسية، كانت تنتظر أن تكافأ أقله على المستوى الانمائي، فكانت النتيجة، خطة أمنية، عسكرة لبعض المناطق، شباب في السجون، وعود بمشاريع إنمائية وإستثمارية، وبتأمين فرص عمل، وبالحاق الشباب بالمؤسسات الأمنية، وبعشرين مليون دولار أعلن الرئيس الحريري عنها شخصيا وعلى الهواء مباشرة لمسح صورة الحرب عن المحاور وتأهيل المنازل المتضررة، لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، لتكتشف طرابلس ويكتشف أهلها بعد ذلك، أن ما دفعوا ثمنه من دماء ودمار وخراب بفعل التحريض السياسي والمذهبي، قد إنقلب بسحر ساحر تعاونا وشراكة بين “تيار المستقبل” وبين الخصوم السياسيين الذين كان مجرد التعاطي معهم عندما كان “المستقبل” خارج الحكم من الكبائر، وبات التعاون معهم بعد عودته إليه يحقق مصلحة البلد، قبل أن يتحول الأمر مؤخرا الى تنازلات سياسية للخصوم.

أمام هذا الواقع، ترتفع الجدران بوجه ″تيار المستقبل″ في طرابلس كونها إعتادت على غيابه، وعلى عدم الوفاء بوعوده تجاهها، وفي حال قرر الأمين العام أحمد الحريري أن يعود الى المدينة، وأن يستعيد شعبية تياره، عليه أن يفتح صفحة جديدة، ويبذل من خلالها جهدا كبيرا لاستعادة ثقة الناس، وبعدها لكل حادث حديث.

Post Author: SafirAlChamal