لبنان وأزمة النّازحين السّوريين: خطأ الإنتظار والرهانات!… عبد الكافي الصمد

تركت حادثة إعتداء مواطن سوري على فتاة من بلدة مزيارة، من إغتصابه لها ومن ثم قتلها قبل أيام، ردود فعل شاجبة ومستنكرة في مختلف الأوساط، وسلطت الأضواء على وجوه كثيرة من مخاطر وجود النازحين السوريين في لبنان، والدعوة إلى إيجاد حل لهم، بعدما تحوّلوا إلى قنبلة موقوتة لا أحد يعرف متى تنفجر، ولا كيف، ولا أين أو لماذا؟

هذه الحادثة ليست الأولى ولا يُتوقع أن تكون الأخيرة، طالما أن أزمة النّازحين السوريين تراوح مكانها، وأن الجهات الرسمية تتعامل مع وجود قرابة مليوني سوري في لبنان على طريقة النعامة التي تضع رأسها في الرمال، كي لا ترى الحقيقة المرّة الموجودة أمامها.

تفاقم أزمة النازحين السوريين في لبنان تتحمّل الحكومة اللبنانية قبل غيرها مسؤوليتها، لأنها تأخرت كثيراً في تنظيم دخولهم إلى لبنان ووجودهم فيه، كما فعلت بقية الدول في جوار سوريا، لأسباب أمنية وإجتماعية وإقتصادية، وبالطبع سياسية، ما أدى إلى تعثر الحلول الجزئية التي طرحت لاحقاً لمعالجة هذه الأزمة بعد استفحالها، والتي تبين منها أنه لا وجود لرؤية أو خطة عمل إستراتيجية، ولو مؤقتة، لوضع حلول لها، الأمر الذي جعل هذه الأزمة تتجه من سيّىء إلى أسوأ.

منذ فترة، بدأت بعض الأصوات ترتفع وتدعو الحكومة إلى البحث عن قناة تفاوض مع الحكومة السورية، ووصل الأمر إلى حدّ إقتراح البعض إسم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لهذا الغرض، من أجل بحث ملف النازحين السوريين وإمكانية إعادتهم الى بلدهم، لأن الوضع في لبنان لا يحتمل إنتظار توافق إقليمي ودولي لإعادتهم، لا بل إن التسوية الإقليمية والدولية المنتظرة لحل هذه الأزمة قد تأتي على حساب لبنان، الذي سيجد نفسه نتيجة قصر نظر حكومته، وقلة حيلتها، وعدم إمتلاكها قرارها بنفسها، غارقاً في أزمة تشبه أزمة اللاجئين الفلسطينيين فيه، مع ما يعني ذلك من مخاطر على كل الصعد.

لكن تيارات وقوى سياسية محلية، على رأسها تيار المستقبل والقوات اللبنانية، رفضت أي تواصل مع الحكومة السورية، برغم أنها أكثر التيارات والقوى السياسية إعتراضاً وشكوى على وجودهم، كما يسود في أوساط جمهورهما خطاب عنصري في وجه كل سوري في لبنان، ويعود هذا الموقف السلبي لديهما من النظام في سوريا إلى خوفهما من إنعكاس أي تراخٍ منهما في هذا المجال بفقدانهما المزيد من شعبيتهما المتقهقرة.

هذا الموقف جدّده الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، الذي أكد “رفض أي تنسيق مع نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد”، مذكراً بأن الرئيس سعد الحريري كان أول زعيم عربي جاهر بموقفه ضد النظام السوري، وبدعمه للأخوة السوريين سياسياً وإنسانياً وإعلامياً”، وكرّره عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر الذي أيد موقف الحريري “لجهة رفض التواصل مع النظام السوري لإعادة النازحين، ولقاء (وزيري خارجية لبنان وسوريا) جبران باسيل ووليد المعلم”.

لكن السؤال الذي يوجه للحريري والجسر، وسواهما من فريق 14 اذار، هو عن طبيعة موقفهم إذا صدقت نبوءة وزير دفاع العدو الإسرائيلي، إفيغدور ليبرمان، الذي قال يوم أمس إن الرئيس السوري “إنتصر في الحرب في سورية، وأن دولاً كثيرة، أوروبية وعربية سنية معتدلة، تريد الإقتراب منه”، لافتاً إلى أن “طابوراً دولياً يتمدد خلف الأسد، وجميعهم يريدون الإقتراب منه”.

فماذا تنتظر الحكومة اللبنانية كي تمنع حصول جريمة جديدة على غرار جريمة مزيارة؟، وإذا لم تبادر إلى رفع عبء النازحين السوريين عن لبنان، وبقيت واقفة على رصيف الإنتظار، هل تظنّ أن أحداً سيبادر للتخفيف عنها؟.

Post Author: SafirAlChamal