طرابلس من دون سلطة محلية!… غسان ريفي

في الوقت الذي تستعد فيه طرابلس لاعلانها عاصمة لبنان الاقتصادية، وفي ظل الحديث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه في إعادة إعمار سوريا، وتنامي الحديث عن ضرورة فصل الانماء عن السياسة، والدعوة الى تشابك أيدي السياسيين للنهوض بالمدينة إنمائيا، تبدو بلدية طرابلس قاصرة عن مواكبة كل ما يجري.

يبدو واضحا أن كل المحاولات السياسية والاقتصادية وحتى الدولية للاستنهاض تجري في واد، وبلدية طرابلس في واد آخر، حيث لم تستفق بعد من ″الكوما″ التي دخلت فيها قبل أشهر بفعل ″الاشتراكات″ التي إجتاحت جسدها صراعا وخلافا، حتى بدأت تتخلى عن وظائفها الأساسية ما يوحي لكل من يزور المدينة بأن طرابلس تعيش من دون سلطة محلية.

وكأن طرابلس لا يكفيها الركود الاقتصادي، وأزمات النازحين السوريين، والتسرب المدرسي، والفقر المدقع، والبطالة التي بلغت نسبا مخيفة بحسب تقرير البنك الدولي الأخير، حتى تكون أمام بلدية مشلولة يعيش مجلسها “حربا باردة” يعمل الأعضاء من خلالها على تصفية الحسابات فيما بينهم، وبينهم وبين الرئيس ما يجعل البلدية عاجزة عن القيام بكل ما من شأنه أن يظهر صورة إيجابية عن طرابلس، إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي ينشط بعض أعضاء المجلس البلدي عليها لتبرير الفشل، أو لتقاذف المسؤوليات.

ثمة حالة من الغضب الشديد تجتاح أبناء طرابلس على آداء بلديتهم، وهذا ليس من باب الافتراء، بل إن الشواهد كثيرة وكثيرة جدا، وآخرها إنسداد المجارير في أكثر من شارع ومنطقة في المدينة وخروج المياه الآسنة الى الطرقات لتبث سمومها وروائحها الكريهة وتستقطب الحشرات والقوارض الى المنازل والمحلات التجارية لترخي بثقلها على تفاصيل الحياة اليومية للسكان.

يضاف الى ذلك فتح الطرقات لانجاز أعمال البنى التحتية التي تبدأ ولا تنتهي، وهي  إن إنتهت تعود لتفتح مجددا مثنى وثلاث ورباع، فضلا عن أشغال البولفار وصولا الى السراي والتي دخلت عامها الأول وما زالت تراوح مكانها، وهي كانت تسارعت وتيرتها عندما تم الاعلان عن إنعقاد مجلس الوزراء في طرابلس لكن مع تأجيل الجلسة عادت الأمور الى ما كانت عليه من المماطلة من دون حسيب رسمي أو رقيب بلدي.

جولة بسيطة في أرجاء طرابلس كفيلة بأن تؤكد أن المدينة ليست بخير وأن بلديتها باتت تشكل عبئا على المواطنين، فمكب النفايات عند رأس برج النهر يرتفع بشكل مطرد، ويتمدد تلقائيا باتجاه المناطق السكنية وسمومه تنتشر في كل الأرجاء مع إطلالة كل صباح ولا من حلول معلنة، والمكبات العشوائية تجتاح المناطق الشعبية والبراحات، وتنتشر على طول مجرى نهر أبو علي الذي لم تجد البلدية طريقة حتى الآن للحفاظ عليه نظيفا، وشركة “لافاجيت” متعهدة النظافة تقوم بعملها وفق قاعدة “أضعف الايمان” وتكتفي بالجمع، من دون الكنس واللمّ ما ينعكس إنتشارا للأوساخ في مختلف أرجاء المدينة وفي روضاتها الوسطية، وفي الأسواق الأثرية القديمة التي يحسب أبناء طرابلس ألف حساب قبل الدخول إليها بفعل إنتشار المياه الآسنة والنفايات.

أما طرقات المدينة، فحدّث ولا حرج عن الفوضى والحفر وغياب أعمال التزفيت، لتبقى الاشارات الضوئية المعطلة شاهدا على حرمان الطرابلسيين فيما لم تجد اللجان المختصة في البلدية حتى الآن حلا لمعضلتها بما يكفل إعادة تشغليها.

يمكن القول أن سنة وأربعة أشهر لم تشهد طرابلس على أي مشروع بلدي حقيقي، ولا حتى قيام البلدية بأبسط الأمور المنوطة بها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، زحمة السير الخانقة التي تكاد تشل حركة المدينة، والأبقار التي تسرح في الشوارع ليلا ونهارا وتفقد الفيحاء صورتها الحضارية، ومواقف التاكسي العشوائية التي تحتل الأرصفة، وإنتشار المشردين والمتسولين في كل مكان بما يسيء الى سمعة المدينة، وإعتداء البعض على مداخل منشية طرابلس التراثية وإستخدامها بدلا من المراحيض العامة ما يؤدي الى تلوث البيئة، وفقدان وسط المدينة (ساحة جمال عبد الناصرـ التل) الى النظام والانتظام ما يضرب المركز التجاري الأساسي، وعدم الاهتمام بساحة عبد الحميد كرامي عند المدخل الجنوبي، وكذلك مستديرة أبو علي عند المدخل الشمالي، وإهمال المقابر، وجفاف سبل المياه، ناهيك عن مشروع الارث الثقافي الذي تحول الى كارثة، وهو ما يزال في علم الغيب.

هذه الصورة السوداوية هي غيض من فيض المشهد الطرابلسي العام، الذي يخفي وراءه ما هو أكثر سوادا فيما يتعلق بتسيير شؤون المرفق البلدي العام، حيث أن الخلافات بين رئيس البلدية والأعضاء، والأعضاء ورؤساء المصالح والدوائر، إنسحبت على  الموظفين الذين بدأوا يتوزعون بين موازين القوى، ما يؤدي الى عدم إنتاجية باتت واضحة للعيان، والى فوضى وعشوائية ومحسوبيات، وتصفية حسابات!.

Post Author: SafirAlChamal