على مدار النهار.. تصوير روائي من كارلوس شاهين لـ ″شوارع طرابلس″… جان رطل

ربما من الصواب القول ان ″طرابلس″ المدينة لم تظهر في افلام روائية كثيرة، وهي بكل الأحوال وبالاستناد الى ذاكرتي السينمائية لم احفظ لها غير حضور ساحة التل في فيلم ″الى أين؟″ من اخراج جورج نصر والذي صور بوسطات الأحدب كما كان ايضا لحضور سقالة الفرنسيين على مقربة من مبنى الجمارك في الميناء وقع خاص في فيلم ″عائد الى حيفا″ للمخرج قاسم حوّل عن رواية من غسان كنفاني بنفس العنوان.

لن نستهين بالاستخدامات المتتالية في الفيديو كليبات لمواقع من المدينة لعل ابرزها تكرارا بالتأكيد ″المعرض الدولي″ وهو من توقيع المعمار المستقبلي ″أوسكار نيماير″ حيث ان حضور هذا الصرح الهندسي الساحر يتواصل في العديد من الفيديو كليبات والإعلانات، حتى ولو ان هذا الاستخدام يظهر بالضرورة بعيد كل البعد عن الإشارة الى مصادره فيبدو وكأن الأمر يحصل في اللامكان، وبعيدا عن الاحتفاء بالمدينة بطبيعة الحال.

هذا بدون ان نغفل ما يحصل من وقت لآخر عند سماع، وبدون مشاهدة النتائج في أغلب الأحيان، بعض الأخبار عن صناعة طلاب وسينمائيين لأفلام عن شؤون لها علاقة بطرابلس، المكان متناولة ذلك بخلفية وثائقية أو ما يشبه الروائي ـ الوثائقي بهدف أكاديمي أو إعلاني تسويقي وخلافه.

لعل كل ما يأتي به هذا الكلام، عن علاقة المدينة بالسينما، يظهر وكأنه احتفاء ساذج كما يمثل مدخلا مخترعا لذريعة افتتاح الحديث الأساس عن إنشغال المدينة مؤخرا بحضور، مستغرب للبعض، عن تنقل لفريق عمل سينمائي حضر في حيز مهم وواضح بشاحناته المميزة، والمفتقدة كما المستغربة من الناس البعيدين عن المهنة ومتطلباتها، في غياب تجارب مشابهة، فأصبح المشهد “كالهجنة ” المستحدثة الطارئة على عدد من شوارع المدينة بهدف تصوير العمل الروائي القصير للمخرج “كارلوس شاهين”، ابن المدينة وهو من عائلة الطبيب الجراح المشهور صاحب “مستشفى شاهين” والذي يعتبر مستشفاه معلما في وسطها التاريخي.

كارلوس شاهين2

 يأتي ″كارلوس شاهين″ الى صناعة فيلم روائي قصير إذاً بعنوان مبدئي ″على مدار النهار″ ليتذكر ما جرى لطفل، أصبح رجلا ناضجا في أيامنا الحاضرة، خلال آخر أيام عاشها في المدينة قبل أن يغادرها في محاولة لاسترجاع اللحظة الفارقة التي استوجبت الرحيل على أنقاض شرارة يعتبرها مفصلية مما كون المغادرات عن الأماكن، لأسباب وأسباب، التي طالت أوصال البلاد جنوبها وشمالها شرقها وغربها فيما عرف بالحرب الأهلية، التي من المفترض انها انتهت !، وقد لا نستطيع الدخول الى حكاية هذا الفيلم لاعتبار ان الحكاية في السينما لا تتضح معالمها بالتمام، الا بعد ان يصبح النتاج الفيلميّ لها، المشروع حاليا، منجزا بالكامل ، والمقصود هنا تخطيه لما بعد التصوير وما سيستتبع ذلك من مونتاج وميكساج وخلافه من أمور ستضيف حتما عليه، أي ما سيلحق بالفيلم الكثير من الإضافات التي ستمكن المخرج من أن يزيد في إيضاح مقاصده من فكرة الفيلم بشكل عام .

غير أنه في انتظار ترقبنا للفيلم قد يكفينا الحديث عن عجقة تصويره وإنتقال حضور المجموعة العاملة عليه من موقع الى آخر من “شارع المطران” الى تقاطعه مع “عزمي بيك” ومن ثم الوصول الى منطقة “شارع الثقافة” وغيرها. وكيف أن لانتباهنا لحضور الممثلة المجتهدة “كارول الحاج” في مقهى “البينكي” ،حيث نلتقي الأصحاب والأصدقاء يوميا، وهي تشغل حيزا يتحلق حولها فيه مجموعة من العاملين في الفيلم وهي تتحضر للقطات لاحظنا لاحقا انها ستجري على مقربة من واجهة “البون غو”.

وقد كان لحضور “كارول” التي ابهرتنا، في آخر إطلالاتها التلفزيونية من خلال حلقات معدودة مقابل المصريين الشهيرين “منة شلبي” و”خالد النبوي” في رائعة الروائي “بهاء طاهر” واحة الغروب والتي حولتها المخرجة “كاملة ابو ذكرى” الى مسلسل بنفس الإسم اعتبر الأجمل والأكثر فنية في شهر رمضان الفائت، وقع مميز في المقهى ببساطة تعاطيها واندماجها بالأجواء الطرابلسية وعفوية التقدم منها والسلام عليها وأخذ الصور الى ما هنالك.

اما “كارلوس” وهو يحمل على عاتقه اتمام التصوير، بكل احتياجاته العملانية والفنية، بما يتوافق مع ما سبق وخطط له، باعتباره كاتبا للسيناريو ومخرجا، فقد كان منشغلا بكل شاردة وواردة.. منهمك في الإنجاز والتسابق مع الوقت بكثافته وارتباطاته التي يجب أن تتم في بحر ايام لا تتجاوز الأسبوع.انما ولتأكيد أهمية ما يصنعه، ولو عبر ما وصلنا منه كممثل ومخرج مسرحي وسينمائي، يذهب به الى إحترام المشاهد والمتابع بقدر كبير من الحرفية بحيث تظهر مشاركاته مع آخرين أو إنجازاته الشخصية من مستويات تعكس خيارات لطالما إحتفى بها نقاد متابعون. ولو حصرنا الإشارة الى أعماله السينمائية الأخيرة فتبرز لنا مشاركاته في افلام “غسان سلهب” التي من بينها بطولة لفيلم “الوادي”، حيث حضر فيه كممثل بارع ومختلف ومتمكن من تفاصيل حضوره على الشاشة وقد لفت هذا الحضور الأنظار في مهرجانات برلين وتورينتو السينمائية ، كما أن له من بين أعماله الأخيرة حضور في فيلم لزياد الدويري وآخر لأوليفيه أساياس، اما لمشاهدة عمله الوثائقي “تشيخوف في بيروت” والذي من خلاله يمكن متابعة “حفره” الإبداعي حول موضوع مسرحية الكاتب الروسي المعروف “بستان الكرز” والتي سبق وقدمها على مسرح المدينة مع مجموعة من أبرز ممثلي المسرح الشباب والأكبر عمرا وخبرة، ويبدو كم أن فكرة هذه المسرحية تستحوذ عليه فهو وبحسب الفيلم الوثائقي يحضر لاستعادتها في فيلم روائي طويل لاحقا، وهي تتناول إنهيار موقع عائلة إقطاعية وتفسخ ثرواتها الطائلة عبر لقاء أخير يجمع أفرادها في القصر العائلي ومواجهتها للاحتمال الوحيد المطروح أمامها، لتحسين أحوال حاجات أفرادها المادية، من خلال ما يطرحه إبن أحد العاملين السابقين عندها، والذي تحول الى مقاول وتاجر أراضي ومستثمر في العقارات، عبر طرحه مشروع للزواج من إحدى صبايا العائلة كما لشراء بستان الكرز الكبير المتبقي من ثروات العائلة الطائلة والتي تبدو في نزعها الأخير.

بديهيا أن تكون الإضافة حول ما ينتجه “كارلوس شاهين” إنها، وفي معظمها، أعمال من سوية فنية عالية الجودة وهي تعبر عن ثقافة مسرحية وسينمائية مجبولة بالخبرة المحققة من خلال ما يقدمه منذ سنوات في فرنسا تحديدا وعلى منصاتها ويظهر فيها كم أنه يأتي بإصرار، مبرر ومرغوب، إلى بلده الأم لبنان ليترك بصمته الإبداعية فيه ولما لا الى مدينته، أيضا، التي تستأهل هي الأخرى أن تستعيد ذاكرته الجمالية عنها عبر، ولو من خلال إعادة تكوين أحداث جرت على مدار نهار، أحداث حفرت عميقا في بالـ”طفل” ينظر إلى أعماقه وسنواته الآفلة والى إنعكاسات أزمان متقاطعة من خلال واجهة متجر للحلويات. وكما كان الانطباع في البال عن “بستان الكرز” باعتبارها مثلت علامة فارقة في العروض المسرحية كما قدمها “كارلوس” كذلك ننتظر الفيلم على مدار الانتظار الذي تعلمناه جيدا في هذه المدينة!.    

Post Author: SafirAlChamal